تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سؤال الهوية …التعريف والتحديات
كما كان متوقعا، احتل سؤال الهوية المصرية صدارة الجدل العام طيلة الأسبوع الماضي، أى منذ افتتاح المتحف المصرى الكبير، وبمناسبة هذا الافتتاح، لكنى لست واثقا من أن هذه ظاهرة صحية لأسباب كثيرة، أهمها أن هذا الجدل يدور دائما فى نفس الحلقة المفرغة، التى يدور فيها منذ عقود، على نحو ما أشرنا إليه فى مقال السبت الماضي، بحيث إنه يهدأ أو يخفت وكل طرف باق فى خندقه، ودون التوافق على رؤية فكرية مشتركة، وبرنامج سياسى محدد لتحقيق هذه الرؤية.
بل أكاد أقول إن نسبة كبيرة من الإجابات التى طرحت على سؤال الهوية كان فيها من العصبية أكثر مما فيها من الفكر، وكانت تعكس الرغبة والتمنى بأكثر مما تستقرئ الواقع، وتستشرف المستقبل، ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى غيبة التوافق العام حول تعريف مصطلح الهوية، وغيبة التوافق العام حول التحديات الحقيقية (وليس المتخيلة أو المفترضة) التى تواجهها هذه الهوية المصرية.
فمن حيث التعريف يجب أن ندرك عدة حقائق، بل يجب أن نتفق عليها.
أهم هذه الحقائق أن الهوية ومرادفاتها أو مشتقاتها مثل الشخصية القومية، والسيادة الوطنيةً والمواطنة والشعب والإقليم، الخ ـ كلها مفاهيم جديدة نشأت مع نشأة الدولة الحديثة فى أوروبا بعد صلح ويستفاليا 1648، الذى أنهى الحروب الدينية، وإذن فلم نكن نحن فقط من دون بقية العالم الذين ننتمى إلى كيان أكبر من دولتنا الحديثةً.
كذلك لم نكن نحن وحدنا الذين بقينا نعيش عدة قرون بعد صلح ويستفاليا فى دولة إمبراطورية، فوق قومية، أى دولة الخلافة الاسلامية العثمانية، بل بقيت معظم شعوب أوروبا الوسطي، والبلقان وكذلك أجزاء كبيرة من إيطاليا وألمانيا تابعة للإمبراطورية النمساوية المجرية، التى كان اسمها الأصلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية، وهو وضع لم يتغير بالكامل إلا بعد الحرب العالمية الأولي، ونتيجة لها، كما حدث فى إقليمنا الشرق أوسطى أيضا.
ومن حيث التعريف أيضا فهل المقصود تحديدا بالهوية المصرية هو غلبة سلالة عرقية معينة، أم غلبة إرث ثقافى محدد، أم مجرد الاستقلال الوطني، بمعنى التحرر من حكم أجنبي، أو من نفوذ خارجى واضح؟
أم أن المقصود هو كل ذلك مثلا؟
أم ربما يكون المقصود مثلما هو متفق عليه فى علوم الاجتماع السياسى الحديثة هو الطابع القومى (National Style)، أو ما يسمى بطريقة الحياة (Way of life)؟
من جانبي، وإلى أن يتبلور توافق عام حول تعريف محدد للهوية الوطنية المصرية، فإننى أرى أن هويتنا تشمل كل ذلك، وتتسع لأكثر منه، وذلك أيضا وفقا لما اتفق عليه كبار مفكرينا وباحثينا وزعمائنا السياسيين منذ طرح السؤال للمرة الأولي، أى منذ رفاعة الطهطاوي، ثم مصطفى كامل ولطفى السيد وسعد زغلول ومكرم عبيد، وصولا إلى صبحى وحيدة. وشفيق غربال ولويس عوض وأنور عبد الملك وسليمان قلادة وميلاد حنا وجمال حمدان وطارق البشري، ثم سمير مرقص وجيله.
ومن اللافت أن ذلك الذى نعتقده واتفق عليه كبار مفكرينا وزعمائنا (الديمقراطيين) يتفق أيضا مع أحدث نظريات الهوية فى العالم المتقدم وتطوراتها، وهى التى عرفت أولا بنظرية المجتمع المفتوح المتعدد الثقافات والهويات الفرعية، ثم تطورت إلى نظرية بوتقة الانصهار، التى ظهرت لتعريف الهوية الثقافة والسياسية للمجتمع الأمريكى الليبرالي، بعد انتصار حركة الحقوق المدنية للأقلية السوداء، والتى تطورت بدورها منذ عدة سنوات إلى نظرية طبق السلاطة، وذلك عندما تبين أن بعض مكونات المجتمع الأمريكى تقاوم الانصهار الكامل (أكرر الكامل)، خاصة المسلمين واللاتينيين الكاثوليك لكنهم ملتزمون بالدستور والقانون، والأهم أنهم يرون أنفسهم أمريكيين، ويعرفون بعضهم البعض بهذه الصفة، حيث يبقى طبق السلطة مستساغا ومفيدا وثريا مهما يضف إليه من مكونات.
أتوقع أن البعض سوف يتحفظون على استشهادى بتلك المقولات عن المجتمع المفتوح وبوتقة الانصهار وطبق السلطة بالقول إن هذه الأفكار والمذاهب التقدمية تتراجع فى مجتمعات المنشأ نفسها، أمام نظريات وحركات اليمين القومي، وسياسات الهوية الصاعدة مجددا هناك، وإجابتى المختصرة هى أن هذا الصعود ظاهرة مؤقتة لها أسبابها الظرفية، وقد يكون فوز المرشح المسلم زهران ممدانى باكتساح بمنصب عمدة نيويورك، وكذلك فوز الديمقراطيين فى ولايتى فيرجينيا ونيوجيرسى الأمريكيتين فى انتخابات الثلاثاء الماضى أحد البراهين المهمة على صحة إجابتي.
يتبقى إذن التساؤل حول التحديات الحقيقية وليست المتخيلة للهوية المصرية، كما قلنا فى بداية هذا المقال، لكننا نؤجل الإجابة إلى السبت المقبل.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية