تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الوجه الآخر للأزمة

أقصر طريق وأسهل اختيار عند بعض الناس هو صب جام غضبهم على الظروف والأزمات وكيل الاتهامات والانتقادات على الآخرين.. ولا يفكر هؤلاء فى حساب أنفسهم.. أو إدانة تصرفاتهم.. وتخاذلهم أو انتقاد تصرفاتهم وسلوكياتهم.. وطريقة تعاطيهم مع المجتمع بل وتقصيرهم فى حق أنفسهم.. دائماً شماعتهم المسئول.. هو المدان والمقصر والمتخاذل وربما يكون المسئول مقصراً فى بعض الحالات.. لكن السمة الغالبة أننا ندين وننتقد الآخرين وننسى إلقاء اللوم على أنفسنا ومحاسبتها وينطبق علينا قول الشاعر «نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا».
أرصد فى أوقات كثيرة البعض يشن هجوماً حاداً على الظروف والمسئولين.. والأوضاع والأزمات ولكن السؤال المهم أو الأسئلة المهمة التى يجب ان نطرحها جميعاً على أنفسنا.. هل ندرك طبيعة الظروف التى يمر بها العالم وبالتالى نحن.. هل أدينا واجبنا وعملنا كما يجب ان يكون؟.. هل غيَّرنا من أنفسنا وسلوكياتنا تجاه الأزمة؟.. هل حرصنا على الآخرين من الفئات الأضعف كما نحرص على أنفسنا؟.. فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: «أحب لأخيك ما تحب لنفسك» هل مازالت المشاعر الانسانية والرحمة والمصلحة العامة تسكن فى داخلنا.. أم أننا نفكر فقط فيما نحققه من مكاسب واستغلال للأزمة حتى لو على حساب الآخرين؟
ليس دفاعاً عن أحد.. حكومة أو مسئولين ولكن هو نوع من الحساب للنفس.. ووقفة جادة معها خاصة فى ظل إلقاء اللوم بشكل معتاد ومستمر على الآخرين دون ان نحمل أنفسنا أى نوع من المسئولية.. نتجاهل هذه النقطة وإذا كان الأمر كذلك ونتفنن فى إلقاء اللوم على المسئولين وهذا وارد كما قلت ولكن اسأل سؤالاً مهماً.. من يحتكر ويبالغ فى الأسعار ويصر على الجشع وتخزين واخفاء السلع هل هو عضو فى الحكومة أم انه واحد من الناس أو الشعب.. هل من يخزنون المحاصيل فى بيوتهم لانتهاز الفرصة لرفع أسعارها بعد تعطيش السوق منها من الحكومة والمسئولين أم أنهم مواطنون؟ على سبيل المثال (محصول الأرز) سمعنا أحاديث كثيرة عن ارتفاع الأسعار رغم وجود اكتفاء ذاتى منه.. ولكن الأحاديث الكثيرة أيضاً من أقرباء المزارعين يقولون ان عمى فلان وخالى علان قام بحصاد محصول الأرز وخزنه فى بيته أملاً فى رفع أسعاره ليبيعه فى السوق بأسعار أعلى من سعر التوريد.. وهنا الحكومة لابد ان ترصد هذه الحقائق.. وتمنح المزارع عائداً مرضياً ومعقولاً مقارنة بالسعر الذى يباع لشركات القطاع الخاص الذين يبيعون للمواطن بأسعار مبالغ فيها بالإضافة إلى أهمية بناء الوعى والارتقاء بالضمير والحس الوطني.
لماذا ترسخت ثقافة الانانية والاستغلال والانتهازية لدى البعض.. ولماذا ضعفت عزة الضمير.. وتجاهل البعض تعاليم الأديان السماوية التى ترفض الجشع والاحتكار والمبالغة فى رفع الأسعار.. سعياً للحصول على مكاسب أكثر.. رغم ان هذه العوائد تدخل فى دائرة الحرام والسحت.
جزء كبير من آثار وتداعيات الأزمات نحن السبب فيها.. فالدولة مثلا تنفق ميزانيات هائلة على استيراد الأعلاف بأرقام كبيرة من العملة الصعبة نحن فى أشد الحاجة لها ولكن ورغم ذلك هناك بعض التجار يبالغون فى رفع أسعار الأعلاف لتجار التجزئة.. وأصحاب المزارع وبالتالى يقومون برفع أسعار اللحوم والدواجن.. اذن هناك حاجة لمعالجة الأمر من الأساس من التاجر الكبير أو الذى يقوم بالتوزيع والبيع على صغار التجار والمزارع وبالتالى تأتى التأثيــرات السلبية على المواطن.. وهنا نحتاج ضبط هذه المعادلة..  أو أن تقوم الدولة بنفسها بالتوزيع على صغار التجار وأصحاب المزارع وتراقب الأسعار.
ما أريد أن أقوله وأعنيه إننا جميعاً مسئولون وشركاء فى التصدى لتداعيات الأزمات لا يجب أن يقصر المسئول أو يتخاذل المواطن وهذه هى معادلة النجاح.. لكن هناك أيضاً آفة ومشكلة لدى قلة قليلة وهى غياب الضمير.. والعمل فقط لمصالح ومنافع شخصية دون النظر للمصلحة العامة «بمعنى نفسي.. نفسى ومن بعدى الطوفان» هذا يعكس مشاكل فى أساليب التربية.. ونقصاً إيمانياً وأخلاقياً.. وانتهازية وأنانية ممقوتة.. لا تؤذى صاحبها فقط ولكن تؤذى الآخرين.. لذلك من المهم الضرب بيد من حديد على أيادى هؤلاء ولو على سبيل المثال تم ردع خمس أو ست حالات سنحصد نتائج عظيمة وسوف يفكر باقى القلة القليلة ألف مرة قبل ارتكاب مثل هذه السلوكيات المنحرفة فى توقيت الأزمة.. أى أننا نحتاج إجراءات رادعة ومؤلمة لأنه لا مجال للتفريط فى هذا التوقيت ولك ان تتخيل تاجراً يبيع كرتونة البيض بـ100 جنيه وآخر بـ120 جنيها.. وكيلو الفراخ أو البانيه فى سعر بمنطقة أو شارع معين وأعلى سعراً فى منطقة وشارع آخر كل ذلك يكشف تداعيات غياب الضمير وتفشى الأنانية والانتهازية وعدم الرضا لدى البعض من مكسب قليل وبيع كثير.. والجميع هنا مستفيدون.. والرحمة بالناس.
فى ظنى أن الأجهزة الرقابية تحتاج تنشيط دورها سواء فى مباحث التموين أو جمعية حماية المستهلك أو الأجهزة الأخرى المنوطة بالرقابة على منطقية ومعقولية الأسعار وربما تحتاج إلى تشريع يواكب تداعيات الأزمة العالمية.. وان تظهر العين «الحمرا» للمتلاعبين والجشعين والمحتكرين والمخزنين للسلع والمحاصيل والمغالين فى الأسعار دون سبب أو منطق.. فكيف تباع كرتونة المياه بأكثر من سعر فى منطقة أو محافظة وربما شارع واحد وهذا شأن البيض والدواجن واللحوم أحياناً.. فلا يجب ان يعمل كل  تاجر أو بائع بنظرية «أبوكيفه» ومن لا تحركه نوازع الرحمة والإنسانية والضمير يردعه القانون والمحاسبة لأن هذا التوقيت ليس فيه مجال للتلاعب والعبث ولا يجب ان نترك الناس لأباطرة الجشع والاحتكار والمغالاة ولكن لمزيد من الردع.. وان يكون هؤلاء عبرة لغيرهم.. طالما ان النصائح والكلام الطيب عن الضمير والوعى لم يعد يجدى نفعاً.. الحل هنا فى المحاسبة والرقابة الصارمة وأن يأخذ كل ذى حق حقه.. التاجر حقه مشفوعاً بالظروف وآثار الأزمة العالمية والمواطن بالسعر والتكلفة الحقيقية للسلعة مع وجود هامش ربح عادل يراعى هذه التكلفة فى ظروف الأزمة العالمية- لكن لا يجب ان تترك الأمور كالحبل على الغارب فالدولة لم تدخر جهداً فى توفير السلع والاحتياجات والتوسع الزراعى والصناعى واستيراد الزيوت والأعلاف وبالعملات الصعبة لكن لابد ان تتم مراقبة ما استوردناه ووزعناه رقابة صارمة وتحديد مساراته وإلى أين ولم ذهب؟ وما هى أسعار بيعه؟ 
تحدثت مع أحد أصحاب محلات الجزارة.. قلت له الدولة استوردت كميات كبيرة من الأعلاف وخفضت الأسعار.. بادرنى بإجابة غريبة.. اسأل الدولة أعطت الأعلاف لمن.. وبأى سعر باعها لنا نحن أصحاب المزارع والتجار الصغار؟.. وهذه الاجابة أنقلها للمسئولين لضمان وصول احتياجات الإنتاج إلى المعنيين.. ومتابعة أسعارها لصغار التجار حتى نصل إلى السعر العادل.
الأزمة الحقيقية.. أزمة ضمير لدى البعض.. ووجود ثقافة الأنانية والانتهازية.. والجشع والاحتكار والمغالاة.. فالدولة لم تسمح بوجود أى نقص أو عجز فى أى سلعة.. لكننا فى ذات الوقت كأفراد نتفنن فى استغلال بعضنا البعض وتحصيل أكبر مكاسب ممكنة على حساب الآخرين.
  
تحيا مصر

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية