تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

دون شعور حقيقي بالذنب

ما يحدث فى فلسطين لا يخص الفلسطينيين وحدهم، بل يكشف أزمة إنسانية عالمية أوسع، تتعلق بسقوط القيم الغربية التي طالما قُدمت باعتبارها أساس الحضارة الحديثة، فحين تصبح العدالة انتقائية، والإنسانية مشروطة، والصمت موقفًا مقبولًا، فإن السؤال لا يعود متعلقًا بما يحدث فى فلسطين وحدها، بل بمصير الإنسان نفسه فى عالم يتآكل فيه المعنى الأخلاقي يومًا بعد يوم.

ما سبق يمكن اعتباره ملخصًا لكتاب صدر حديثًا وحمل عنوان: "وحشية قرننا: الحرب على فلسطين .. والإنسان الغربى الأخير"، وكاتبه هو الجزائرى أمير نور، وتفيد معلومات متداولة على شبكة المعلومات بأن الكتاب أثار حالة من الجدل الواسع فى الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية ، حتى قبل طرحه رسميًا فى المكتبات، حيث سعى المؤلف العربى من خلال كتابه إلى تفكيك السرديات الغربية السائدة، وكشف ما وصفه المؤلف بـ"تزييف الإعلام الغربى للوقائع وقلبه لحقائق الصراع"،

ومن هنا لفت الكتاب أنظار الأوساط الثقافية والإعلامية بسبب جرأة ما يطرحه من أفكار تناقش الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، وتعيد النظر إليه من زاوية نقدية حادة، تركز الضوء على طبيعة الدور الغربى فى المنطقة العربية، فى مقاربة تجمع بين التحليل الجيوسياسى العميق والتأمل الوجودى فى وضع الإنسان المعاصر وقيمه المتآكلة.

وحول الدوافع التى قادت المؤلف إلى إصدار هذا الكتاب، أوضح الأخير فى تصريحات إعلامية، أن الكتاب يمثل محاولة منه لإطلاق ما وصفه بـ «صرخة فكرية عميقة» فى زمن تختلط فيه الشعارات الإنسانية بمشاهد الدماء، ويتراجع فيه صوت العقل أمام سطوة التضليل والخداع الإعلامى (انتهى الاقتباس من المؤلف).

أما الكتاب نفسه فينطلق من فكرة مركزية مفادها أن الحرب على فلسطين ليست حدثًا استثنائيًا ( فى تاريخ الحضارة الغربية )، بل أصبحت مشهدًا متكررًا يعكس درجة التبلد الأخلاقى الذى وصل إليه العالم الحديث الذى يرفع شعارات حقوق الإنسان والحرية والعدالة فى المحافل الدولية، بينما يُغض الطرف عن انتهاك هذه القيم حين يتعلق الأمر بشعب واقع تحت الاحتلال .


ويشير الكاتب إلى أن هذه المفارقة (بين الشعارات والواقع) لم تعد مجرد ازدواجية سياسية، بل تحولت إلى بنية فكرية متكاملة تُبرر الصمت وتعيد تعريف الضحية والجلاد وفقًا لمصالح القوى المهيمنة.

ويتوقف الكتاب طويلاً عند دور الإعلام الغربى فى إعادة تشكيل الوعى الجمعى تجاه ما يجرى فى فلسطين ، حيث لا تُستخدم اللغة كأداة نقل محايدة، بل كوسيلة لإعادة إنتاج الرواية السائدة، وذلك من خلال مصطلحات تُخفف من وحشية الجرائم أو تُعيد وضعها فى إطار ضمن سياق دفاع الجلاد الإسرائيلى عن أمنه، وهنا يؤكد الكاتب أن هذا الاستخدام الانتقائى للغة يسهم فى تطبيع العنف، ويجعل من الوحشية حدثًا قابلًا للتبرير، بل أحيانًا للتجاهل.

ولا يغفل المؤلف نقد منظومة القانون الدولى، معتبرًا أن فلسطين كشفت هشاشة هذه المنظومة وحدودها، بعدما ظهر أنها تُطبق بصرامة حين تخدم موازين القوة، ويتجاوز الكتاب السياسة إلى طرح أسئلة فلسفية وإنسانية تتعلق بمعنى الأخلاق فى زمن "الهيمنة الغربية"، وحدود التعاطف الإنساني، وقدرة الإنسان الحديث ( الغربي ) على رؤية الآخر كإنسان كامل الحقوق ، لا كهوية أو رقم أو عبء سياسى.

ويخلص الكاتب إلى أن أخطر ما فى وحشية هذا القرن ليس العنف نفسه، بل الاعتياد عليه، وقدرة العالم على التعايش معه دون شعور حقيقى بالذنب.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية