تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > عاصم عبد الخالق > لهذا يكرهوننا «6ـ6» شرعية حروبهم الهمجية!

لهذا يكرهوننا «6ـ6» شرعية حروبهم الهمجية!

العنصرية هل الإجابة المباشرة والمختصرة للسؤال الذى يردده العرب بقدر كبير من الصدمة والدهشة والاستنكار منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وهو: بماذا يمكن تفسير السقوط الأخلاقى المشين للغرب برفضه إدانة مذابح إسرائيل ضد الفلسطينيين وقتلها عمدا المدنيين والأطفال وتدميرها المستشفيات على رءوس المرضي؟. لا تنفى هذه الإجابة الموجزة وجود دوافع سياسية واستعمارية، ومعتقدات دينية تحمل الغرب على الدفاع عن إسرائيل وضمان وجودها بنفس إصراره على إنشائها منذ البداية. لكن كان يفترض أن التمسك بتلك الثوابت لا يعنى بالضرورة التنازل عن المبادئ الإنسانية والأخلاقية التى تستدعى إدانة جرائم إسرائيل دون التخلى عنها، أو هكذا ظن قطاع كبير من الرأى العام العربي، كان حتى السابع من أكتوبر 2023 يحسن الظن بالأوروبيين والأمريكيين.

 

سببت وحشية إسرائيل مع الفلسطينيين إحراجا كبيرا لرعاتها الغربيين، وكان لابد لهم من إسباغ أعذار سياسية وشرعية على موقفهم لإيجاد مبرر أخلاقى لتأييدها. عن هذه الأعذار، وهى ليست جديدة، تحدث باستفاضة الكاتب الأمريكى ستيفن سالايتا فى كتابه «الحروب الهمجية: العرب والمسلمون، وفقر الفكر الليبرالي». الكتاب ليس أفضل ما تحتويه المكتبة السياسية الأمريكية فى هذا الموضوع، ولم يقدم إجابات شاملة عن مبررات ودوافع العنصرية الأمريكية ضد المسلمين والعرب خاصة الفلسطينيين، لكنه يظل مساهمة جيدة تفسر ولو جزئيا ظاهرة التناقض الأمريكى بين المبادئ المعلنة، والمواقف والسياسات المطبقة لاسيما عندما يتعلق الأمر بالعرب وإسرائيل.

يؤكد المؤلف، وهو أستاذ جامعى من أصول عربية، أن الأمريكيين حرصوا دائما على إيجاد مظلة شرعية يحتمون بها لشن حروبهم الهمجية ضد الشعوب الأخرى. (وبالتبعية تبرير جرائم إسرائيل). وقد اهتدوا لحل بسيط هو تجريد أعدائهم من إنسانيتهم أو عدم اعتبارهم بشرا أسوياء. من هنا اختزلوا الظواهر الثقافية والاجتماعية والسياسية المعقدة بالعالم العربى بما فيها العنف فى تفسير مخل وهو أن العرب ينحدرون إلى قاع البربرية الهمجية غير العاقلة أو المتحضرة.

على هذا الأساس يصنف الأمريكيون (الإعلام والمسئولون على السواء) كل عنف عربى بحسبانه إرهابا دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة تحديد المعيار الذى يستندون عليه فى هذا الحكم. وهذا المعيار كما يرى سالايتا ليس إلا افتراضات متسرعة وعنصرية. بناء على ذلك يعتبرون أن العرب ليس لديهم السبب الوجيه لارتكاب العنف، بينما يمتلك الأمريكيون والإسرائيليون على الدوام أسبابا منطقية لارتكابه. لذلك يتجاهل الأمريكيون التفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية فى الاعتداءات الإسرائيلية وأبرزها العدوان الهمجى الحالى على غزة. ولتبرير هذه الجرائم يرددون مقولة مستهلكة هى الدفاع عن النفس. أى منح إسرائيل الحق بارتكاب المذابح. . فى حين لا يمكن أن يكون عنف العرب دفاعا عن النفس أو نضالا من اجل الحرية. بمعنى تجريدهم من أى دافع أخلاقى أو قانونى للقتال. لكن هل يختلف الأمريكيون بكل توجهاتهم السياسية المتناقضة فى عنصريتهم تجاه العرب؟ إذا استثنينا قلة تجاهر بإدانة الجرائم الإسرائيلية وتتعاطف مع الحق العربي، لا يجد المؤلف فرقا جوهريا بين رؤية ومواقف الجمهوريين واليمين المتشدد من جانب، والديمقراطيين والليبراليين ومن يصنفون أنفسهم بالتقدميين من جانب آخر. ليس فقط فيما يتعلق بالتأييد المطلق لإسرائيل ولكن وهو الأهم بالانحياز الذى يصل إلى حد العنصرية ضد العرب. الفروق كما يرصدها شكلية تتركز أساسا حول لغة الخطاب السياسي، فبينما يستخدم اليمين ألفاظا قاسية وأحيانا بذيئة ضد الفلسطينيين، يختار الليبراليون والتقدميون كلمات أقل وقاحة لوصفهم لكن يظل المضمون واحدا. ومن يراجع خطابات ومواقف الرئيس بايدن، الديمقراطى الليبرالي، لن يجدها تختلف كثيرا سوى فى اللغة عن مثيلتها الصادرة عن الجمهوريين والمحافظين المتشددين. ولن يعثر على كلمة واحدة يدين فيها مذابح إسرائيل ضد الأطفال والمدنيين الفلسطينيين.

يناور الليبراليون للتغطية على تناقض موقفهم المؤيد للمذابح مع مبادئهم الداعية للمساواة والتسامح. وإحدى حيلهم التقليدية هى اللجوء إلى ما يعتبرونه تحليلا سياسيا بالقول إن العقاب الجماعى سيولد جيلا جديدا من المتطرفين العرب، دون إدانة العنف الإسرائيلى ومع تجاهل كامل لسقوط ضحايا عرب. لديهم تكتيك آخر يرصده المؤلف هو التساؤل عمن يكون المدنى الحقيقى فى عصر الإرهاب حيث لا يرتدى المسلحون الملابس العسكرية ويندمجون مع السكان، وهو ما يعنى تلقائيا أن الكل إرهابى أو على الأقل إرهابى محتمل، ومن ثم يجوز قتله. إذن كيف يمكن إدانة تجرد إسرائيل من الأخلاق فى تصرفاتها مع سكان بلا أخلاق.؟ الفكرة الخبيثة التى يروجونها هى أن العنف العربى إرهاب بينما العنف الإسرائيلى ثأر، وهى ترجمة أخرى لادعاء الدفاع عن النفس. يتسق هذا الادعاء مع كذبة يعيد الإعلام الأمريكى تدويرها فى كل مناسبة وهى أن الشرق الوسط ليس مسكونا بالمدنيين بل مأوى للمتطرفين الذين يسعدهم قتل الغربيين، وهؤلاء على شفا أن يكونوا إرهابيين.

العنصرية تجاه العرب متغلغلة فى أعماق النخبة الأمريكية بما فى ذلك الليبراليون والتقدميون وإن كانوا أشد حرصا على مداراتها. يعلق المؤلف على هذا النفاق الليبرالى بقوله «لابد من إنهاء خديعة أن الليبرالية تعادل تلقائيا التسامح، هذا اجتراء على قيمة التسامح. الليبراليون كانوا دائما جزءا من منظومة العنصرية الأمريكية.» والعرب كما ينظر إليهم العنصريون محتقرون مهمشون. أما فى لحظات الكرم الليبرالى فهم فقط مختلفون. لكن عندما يسقط قناع التسامح يتوحد العنصريون الأمريكيون، يمينهم ويسارهم، فى اعتبار العرب متوحشين، إن لم تقتلهم قتلوك.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية