تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لهذا يكرهوننا «3» ابحث عن إسرائيل
العداء الغربى لكل ما هو عربى أو إسلامى لم يبدأ مع إنشاء إسرائيل، فقد كان سابقا على وجودها بقرون وليس سنوات. زرع إسرائيل فى المنطقة احد تجليات أو تطبيقات هذا العداء وليس مُنشِئه. كانت الدول الأوروبية فى حاجة لرأس حربة تغرسها فى خاصرة العرب وتظل تستنزفهم بعد أن رحلت جيوشها بنهاية الحروب الصليبية فى القرون الوسطى، ثم رحيلها الثانى فى القرن العشرين باستقلال معظم الدول العربية والإسلامية. وهكذا ولدت إسرائيل «دولة وظيفية» تخدم مصالح وأهداف الغرب الاستعماري.
وبتأسيسها واعتداءاتها المتكررة على العرب ونضالهم ضدها أصبح هناك سبب جديد لتأجيج نيران الكراهية الغربية ضدهم. وأصبحت مقاومتهم من اجل التحرير مدموغة بالإرهاب نتيجة لحملة تضليل منظمة وواسعة النطاق شارك فيها الإعلام والسياسيون والمفكرون والمخططون. يلقى المفكر الأمريكى الكبير الدكتور ادوارد سعيد الضوء على هذه الحملة فى كتابه «تغطية الإسلام». ويتحدث عن الدور المنوط بإسرائيل فى تمثيل رؤية الغرب خاصة أمريكا تجاه العرب والمسلمين منذ الحرب العالمية الثانية.
وإذا كان التطرف فى العالمين العربى والإسلامى يثير قلق الغرب ويحظى باهتمام وتضخيم مبالغ فيه من الإعلام إلى الحد الذى يوحى للمتلقى الأجنبى أن هذا هو حال وطبيعة المجتمعات العربية والإسلامية، ففى المقابل تتجاهل الصحف الغربية، والكلام للدكتور سعيد، وجود تطرف بإسرائيل، وأنه لا يقتصر على المتعصبين الدينيين فقط. كما يندر أن تشير للطابع الدينى لإسرائيل وهو الطابع الذى تصرح به هى نفسها.
ويعتبر الدكتور سعيد الإعلام المنحاز دليلا على الأسلوب الذى استخدمه الغرب فى الإيحاء بأن إسرائيل تمثل النموذج المضاد للإسلام. (بمعنى أن كل ما هو سيىء ومتخلف أى العرب والمسلمين، يقابله كل ما هو جيد ومتحضر أى إسرائيل). وهكذا أصبحت إسرائيل كما يرسمون صورتها معقل الحضارة الغربية الذى أقيم وسط البرية الإسلامية. لذلك أصبحت عيون الغرب ترى أن أمن إسرائيل يوازى صد غائلة الإسلام، وأن وجودها هو تبيان لفضائل التحديث والمزايا التى يبشرون بها. وبعد أن آلت قيادة العالم الغربى إلى أمريكا بنهاية الحرب العالمية الثانية تحركت لتأكيد هذه الصورة وكذلك للترويج لسياستها بالعالم، فأقامت جهازا كاملا للإعلام اعتمد على نفس الأوهام ونشرها على أوسع نطاق.
نتوقف هنا قليلا عن القراءة فى دراسة الدكتور سعيد لإلقاء الضوء على المجهود الأمريكى بمجال الإعلام الخارجى والذى أشار إليه دون تفصيل. بدأ هذا التحرك مبكرا لتشكيل رأى عام عالمى مؤيد باستخدام الدبلوماسية العامة والإعلام. ففى منتصف الحرب العالمية الثانية أنشا ترومان لجنة العلاقات الشعبية ثم انشأ روزفلت فى 1941 خدمة العلاقات الخارجية لمواجهة الدعاية اليابانية والألمانية. وخلال حكم ترومان تم إطلاق حملة الحقيقة 1950 لمحاربة الشيوعية. وبعد ثلاث سنوات أسس إيزنهاور وكالة الإعلام الأمريكية.
بدأت أمريكا مرحلة جديدة على هذا الطريق فى التسعينات مع انهيار الاتحاد السوفيتى وزوال الخطر الشيوعى الأحمر ليظهر ما وصفوه بالخطر الإسلامى الأخضر. لذا وجهت جهودها لمخاطبة الجمهور العربى والمسلم عبر راديو سوا وقناة الحرة ومجلة هاي، فضلا عن خدمات أخرى بلغات مختلفة. ثم ضاعفت مجهودها لكسب قلوب وعقول العرب والمسلمين بعد غزو أفغانستان والعراق لامتصاص الغضب العارم تجاهها بسبب الفظائع التى ارتكبتها قواتها. التطور الأهم كان توقفها عن إصدار مزيد من الصحف أو إطلاق إذاعات مسموعة ومرئية جديدة حيث وجدت أنه من الأنسب والأكثر فاعلية إسناد المهمة إلى وكلاء محليين مكتفية بتمويلهم مباشرة أو عن طريق طرف ثالث يدفع نقدا أو عبر إعلانات.
فى إطار هذا الجهد الكبير والمنظم، وبالعودة إلى ما كتبه الدكتور ادوارد سعيد، اشتركت شرائح عريضة من المثقفين وخبراء الاستراتيجيات فى الإدلاء بآراء مفتعلة مثيرة للقلق عن الإسلام والنفط ومستقبل الحضارة الغربية والكفاح من اجل الديمقراطية ضد القلاقل والإرهاب. وتولى المتخصصون فى الدراسات الإسلامية تغذية هذا التيار الكبير وتحت ذلك المستوى بقليل جاءت وسائل الإعلام. وتترأس هذا كله المؤسسات ذات النفوذ مثل شركات النفط والشركات متعددة الجنسيات وأجهزة الدفاع والمخابرات والحكومة.
يرصد سعيد عددا من المقالات التى أسست للصورة النمطية السلبية للعرب والمسلمين والتى تعمقت بعد الأزمة النفطية خلال حرب أكتوبر 1973. ومازالت مسيطرة على عقول قطاع عريض من المثقفين والإعلاميين فى الغرب ومن ثم ينقلونها ويرسخونها فى أذهان الجماهير لاسيما بعد هجمات سبتمبر 2001. لذا ليس غريبا أن يرتبط الإرهاب بالإسلام فى وعيهم ضمن تصورات كثيرة مغلوطة منها مثلا أن المقاومة الفلسطينية لإسرائيل ذات طبيعة دينية. لذا ليست صدفة أن يصر السياسيون والإعلاميون على تصوير العدوان الإسرائيلى الحالى على غزة باعتباره حربا مع حماس ذات المرجعية الدينية والتى يصفونها بالإرهابية. متجاهلين أن إسرائيل قوة احتلال وأنها تقتل الفلسطينيين بلا تمييز وليس أعضاء حماس فقط.
وبصفة عامة، وفقا لما يرصده د. سعيد يظهر الإسلام «إعلاميا» على الدوام فى علاقة مواجهة مع كل ما هو طبيعى ومألوف فى الحياة الغربية. وتشهد الصورة المرسومة له على الولع بتقسيم العالم لقسمين احدهما يناصر أمريكا والآخر يناصبها العداء. وهو ما يعيد للذاكرة مقولة بوش «من ليس معنا فهو مع الإرهاب». محصلة ذلك كله أنه لا تكاد تتاح للأمريكيين فرصة لرؤية العالم الإسلامى إلا فى تلك الصورة المختزلة والمشوهة. لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك فمازالت روافد التضليل والأكاذيب تصب سمومها فى نهر الكراهية الجارف. الأسبوع المقبل نتعقب احد أهم منابعها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية