تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لهذا يكرهوننا «2» الإعلام المسموم
الرفض الغربى الفج لإدانة جرائم إسرائيل ومذابحها ضد الفلسطينيين يعنى بالضرورة تفشى حالة من الكراهية المتجذرة فى أعماقه ووعيه لكل ما هو عربى وإسلامى. التأييد الأعمى لإسرائيل والانحياز الصارخ لها لا يبرران الانهيار الأخلاقى للدول الأوروبية والولايات المتحدة والذى يتجلى فيما تبديه من لا مبالاة واستهانة بالأرواح الفلسطينية التى تزهق فى غزة. تفسر هذه الكراهية المسكونة بالعنصرية وروح التعالى الاستعمارى، التواطؤ الغربى مع إسرائيل فى جرائمها. ويلعب الإعلام دورا مهما وخطيرا ورئيسيا فى نشر وتعميق الكراهية فى الوعى الجمعى للجماهير الغربية من خلال ترسيخ الصورة النمطية المشوهة للعرب والمسلمين فى أذهانها وهو ما يبرر بعد ذلك أى إجراءات أو جرائم ترتكب بحق الشعوب العربية والإسلامية.
وأدى إلحاح الإعلام على هذه الصورة المشوهة والترويج لها إلى شيوع انطباع سيئ لدى قطاع عريض من المواطنين الغربيين العاديين أصبحت بمقتضاه كلمة عربى أو مسلم مرادفة للفظ إرهابى والعكس صحيح. وباتت كلمة إرهابى «محجوزة حصريا» للمسلمين والعرب على حد تعبير الملكة رانيا ملكة الأردن التى عكست بصدق وعفوية مشاعر ملايين العرب فى تصريحات صحفية قبل أيام.
لكن الإعلام لا ينطلق من فراغ، هناك بيئة ثقافية وسياسية ينمو فيها ويتشرب أفكارها ومبادئها. لم تخلق وسائل الإعلام الانطباعات السلبية عن العرب والمسلمين كانت جذورها موجودة دائما فى الفكر الغربى، وما يفعله الإعلام هو نشر هذه الأفكار وترسيخها فى عقول الجماهير. لا يعنى هذا أنه مجرد ناقل للكفر، ومن ثم ليس بكافر فهو يلعب دورا مهما أيضا فى خلق وليس فقط نشر الصورة المشوهة، وبالتالى زيادة حالة الكراهية. أى أن التفاعل متبادل بين المفكرين ووسائل الإعلام وكلاهما يستخدم وينتج نفس الذخيرة من الأفكار المغلوطة والافتراءات.
قضية الصورة السلبية للعرب والمسلمين فى الإعلام الغربى ليست جديدة وتناولتها بالشرح والتأصيل عشرات إن لم يكن مئات الدراسات الجادة احدها للدكتور ادوارد سعيد المفكر الأمريكى من أصل فلسطينى. وفى كتابه المهم «تغطية الإسلام» لا يغيب عن وعيه الخلط الغربى عن جهل أو قصد بين العربى والمسلم واعتبارهما شيئا واحدا.
يشير فى مقدمته إلى أنه تناول فى كتابين سابقين هما «الاستشراق» و«المسألة الفلسطينية» نفس القضية وهى العلاقة بين عالم الإسلام والعرب والشرق من ناحية، والغرب وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من ناحية أخرى. التورية فى اختيار العنوان «تغطية الإسلام» واضحة ومقصودة من أستاذ تخصصه الأول اللغة، فالمعنى المباشر هو تغطية وسائل الإعلام بمعنى تناولها الإخبارى والتحليلى لأحوال المسلمين والإسلام. لكن لكلمة التغطية مدلولا لغويا آخر هو الإخفاء أى حجب حقيقة الإسلام وراء قناع من الأكاذيب والصور المضللة المنحازة. ويقدم المفكر الكبير نماذج عدة للتدليل على هذا الانحياز وسوء القصد فى التناول الإعلامى. ويرى أن التغطية مضللة حتى لو بدت شاملة وهى توحى لمن يتلقون الأنباء بأنهم فهموا الموضوع دون أن يقال لهم إن جانبا كبيرا مما يذكر يستند لمادة أبعد ما تكون عن الموضوعية.
تفسر كلمات الدكتور سعيد لماذا يتعمد الإعلام والسياسيون فى الغرب الحديث عن حركة حماس الإسلامية وليس عن المجتمع الفلسطينى المتنوع. ويتجاهلون أن حماس لا تعدو كونها احد مكونات هذا المجتمع الذى تنشط فيه تيارات فكرية وسياسية مختلفة مثل غيره من المجتمعات. كما يتعمدون اختزال نضال الشعب الفلسطينى فى هجوم حماس وكأن باقى الفلسطينيين سعداء بالاحتلال. يتجاهلون كذلك الحقيقة التى صفعهم بها الأمين العام للأمم المتحدة، وهى أن هجوم حماس لم ينبع من فراغ. يتجاهلون أخيرا أن المذابح الإسرائيلية هى بالأساس ضد الأطفال والنساء وسائر المدنيين وليست ضد حماس.
يتحدث الغرب منذ هجمات السابع من أكتوبر عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها ضد ما يصفونه بالإرهاب الإسلامى لاستثمار الكراهية التى غرسها الإعلام والمفكرون فى الرأى العام عن الإسلام والعرب. وهذا ما يقصده د.سعيد بتعبير «التضليل المتعمد». بمعنى أن الغرب يتعمد حصر المشهد فى حدود مرسومة بدقة عبر صورة مبتورة ومزيفة تقدم العنف الإجرامى الإسرائيلى بحسبانه حربا مشروعة ضد الإرهاب. وبناء عليه تصبح المذابح مقبولة جماهيريا مادامت ضد إرهابيين. وهكذا كما كتب الدكتور سعيد، فإن استعمال مصطلح الإسلام أدى إلى السماح بقدر واضح من الأخطاء، وبأقوال لا تنم عن التحيز العرقى الشديد والكراهية الفائقة فقط بل أيضا العنصرية والعداء العميق الذى قد يتذبذب صعودا وهبوطا.
لا يخلو الأمر من مكاسب اقتصادية للغرب يحققها تشويه العرب والمسلمين يذكر الدكتور سعيد ذلك بقدر من السخرية بقوله «الإسلام الذى يتحدثون عنه كشيء سييء يكون فى الغالب له وجود واقعى فى المكان الذى تصادف أن وجدت فيه إمدادات بترولية (وبالطبع توجد فيه إسرائيل).
لكن كيف يرى المثقفون الغربيون العرب والمسلمين بالنظر إلى الاختلافات الفكرية والسياسية بين هؤلاء المثقفين؟. يجيب الدكتور سعيد بأن الآراء تتفق على اعتبار الإسلام كبش فداء تنسب إليه كل ما يصادف أن نكرهه من الأشياء السياسية والاجتماعية والاقتصادية. اليمين يرى أنه يمثل الهمجية واليسار يرى أنه يمثل حكم الدين فى القرون الوسطى. أما الوسط فيرى أنه يمثل الغرابة الممجوجة.
حديث الدكتور ادوارد سعيد لم ينته حتى ولو كان قد رحل عن عالمنا منذ عشرين عاما لكن فكره الثاقب وبصيرته النافذة يتخطيان حدود الزمان والمكان وهو يقدم تفسيرا لواقع نعيشه، وكأنه مازال يحيا بيننا. الأسبوع المقبل نواصل الإنصات إلى ما يقول.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية