تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > عاصم عبد الخالق > لهذا يكرهوننا «1» ألف عام إلى الوراء

لهذا يكرهوننا «1» ألف عام إلى الوراء

لسقوط الأقنعة مواسم وهذا أحدها بامتياز. سقط الوجه المزيف للغرب، تهاوت شعاراته الموسمية الزائفة حول حقوق الإنسان بتجاهله المذابح الوحشية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة وتقتل فيها آلاف المدنيين معظمهم من النساء والأطفال. الموقف الأوروبى الأمريكى المشين برفض إدانة إسرائيل أو مطالبتها بوقف مجازرها أحيا الصورة القديمة لأوروبا الاستعمارية العنصرية تجاه الآخر. أهدرت أمريكا بموقفها المخزى سنوات ومليارات أنفقتها فى تحسين صورتها فى العالمين العربى والإسلامى بعد أن تشوهت بفعل الجرائم التى ارتكبتها فى العراق وأفغانستان. كل حملاتها الدعائية والدبلوماسية لكسب العقول والقلوب انهارت.

 

ومن الطبيعى أن يشعر الرأى العام العربى بالغضب والاشمئزاز من الموقف الأمريكي. لكن ما يستحق أن نتوقف عنده هو الشعور بالصدمة والدهشة إزاء التواطؤ الغربى مع إسرائيل فى استباحة الدم العربى وتبرير مذابحها وكأنهم يتفقون مع وزير الدفاع الإسرائيلى المتطرف فى قوله «إننا نحارب حيوانات بشرية». افترض العرب أن الروح العنصرية الاستعمارية للغرب أصبحت من ميراث الماضي. لذلك كانت صدمتهم عنيفة وخيبة أملهم فى أوروبا وأمريكا ومعهما اليابان كبيرة. آفة العرب النسيان، لكنهم فى الغرب لا ينسون. يظل التاريخ دائما حاضرا فى قراراتهم وسياساتهم ومواقفهم ومحركا لها. أعادت الحرب الحالية إلى الذاكرة الحقيقة التى كاد العرب أن ينسوها وهى أن إسرائيل ليست سوى امتداد غربى استعماري، وجزء لا يتجزأ من الحضارة والثقافة المسيحية اليهودية فى أوروبا والولايات المتحدة. لذا فإن مساندتها ودعمها واجب دينى وأخلاقى وليس فقط التزاما سياسيا. فضلا عن كونها رصيدا استراتيجيا لا يمكن الاستغناء عنه لخدمة الأمن القومى الأوروبى الأمريكي. هذا بالضبط ما قصده الدكتور عبد الوهاب المسيرى بتعبيره «الدولة الوظيفية». إذ تظل حتى لو تخطت حدود هذا الدور قاعدة عسكرية للغرب بالشرق الأوسط. وهى تغنيهم عن العودة بأساطيلهم وجيوشهم على غرار ما فعلوا فى الحروب الصليبية أواخر القرن الحادى عشر وحتى أواخر القرن الثالث عشر، ثم موجتهم الاستعمارية الأخرى فى القرنين التاسع عشر والعشرين. يفسر هذا رد فعلهم الهستيرى بعد هجمات حماس فى السابع من أكتوبر، ولماذا هب قادتهم لزيارتها وتوفير الدعم السياسى والعسكرى لها.

استدعى السقوط الأخلاقى المشين لأوروبا وأمريكا فى الأزمة الحالية هذا الميراث الدامى إلى الذاكرة. وأثبت أن الغرب مازال كما كان بنفس توجهاته الاستعمارية والعنصرية، وأن العرب كانوا على خطأ عندما تصوروا أن غربا جديدا قد ولد منبت الصلة بماضيه وجذوره وثقافته. الكثير من الكتاب العرب تناولوا هذه القضية قبل وخلال الأزمة الحالية وكانوا على وعى تام بالدوافع العنصرية والاستعمارية التى لم تتخل عنها الدول الغربية فى تعاملها مع العالمين العربى والإسلامي. كانوا على وعى أيضا بأوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين الاستعماريتين؛ الصليبية والصهيونية. المقارنة بين التجربتين ليست جديدة وليست مبالغات من أدبيات القوميين العرب بل حقيقية. وقد اهتم بها المفكرون والسياسيون الإسرائيليون أنفسهم اهتماما بالغا. وعكف الكثير من المؤرخين هناك على دراسة هذه الحقبة التاريخية لاستخلاص الدروس حتى لا تلقى دولتهم نفس مصير الممالك الصليبية فى الشام التى ظلت فى حروب مع العرب قبل نحو ألف عام إلى أن تم طرد الغزاة. وفى عام 1969 حصل المؤرخ الإسرائيلى البارز يوشع براور أستاذ تاريخ العصور الوسطى والحروب الصليبية بالجامعة العبرية بالقدس على أرفع جائزة يمنحها رئيس الدولة امتنانا لدراسة أثبت فيها أن ما حدث للصليبيين لن يتكرر مع إسرائيل. ولرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو كتاب مترجم للعربية باسم «مكان تحت الشمس» تحدث فيه عن الحروب الصليبية، وقال ضمن أكاذيب كثيرة إن الانتصارات التى حققتها المسيحية الغربية، وقدرتها على الصمود فى وجه أحلام التوسع العربى الإسلامى جعلتها العدو الرئيسى للعرب طيلة أجيال عدة. وفى موضع آخر يضيف «اعتبر القادة العرب المعادون للغرب دائما أن الصهيونية جسر للثقافة الغربية ونبتة غريبة تعمل على تقسيم بلدانهم.. وما الصهيونية إلا صليبيون جدد». هذا العداء العربى الإسلامى المزعوم للغرب الذى يروج له نيتانياهو اختزله بوش فى تساؤله الشهير بعد هجمات سبتمبر «لماذا يكرهوننا» يقصد بالطبع العرب والمسلمين، متجاهلا عمدا أو جهلا أنهم لا يكرهون بلاده بحضارتها وثقافتها المختلفة بل يعجبون بديمقراطيتها وتقدمها لكنهم يكرهون انحيازها الأعمى لإسرائيل فى كل جرائمها. فضلا عن اعتداءات أمريكا نفسها على العرب والمسلمين ومساندتها للمستبدين.

ليس بوش فقط من يقول ذلك، سياسيون كثيرون يتفقون معه رغم أنهم ليسوا فى مثل جهله. وهم على قناعة كاملة بالآراء العنصرية الصهيونية التى عبر عنها مفكرون كبار مثل برنارد لويس وصامويل هينتنجتون حول الخطر الإسلامى وبالتبعية العربى القادم من الشرق الأوسط، ومن ثم استحالة التعايش السلمى بين الحضارتين. وفى كتابه صدام الحضارات يقول هينتنجتون: «يزعم بعض الغربيين ومنهم (الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون) أنه ليس للغرب مشكلة مع الإسلام بل مع المتطرفين الميالين للعنف فقط.. لكن 1400 سنة من التاريخ تقيم البرهان على عكس ذلك، وأن صراع القرن العشرين بين الديمقراطية التحررية واللينينية الماركسية هو ظاهرة تاريخية زائلة بمقارنتها بالعلاقة ذات الصراع العميق بين الإسلام والمسيحيين.» يضيف «فى بعض الأحيان كان هناك تعايش سلمى وفى أغلبها كانت العلاقة تمثل واحدة من أشد العداوات.. تتراوح من خصومة أيديولوجية شديدة إلى حرب حامية الوطيس.»

أعادت الحرب على غزة هذه الذكريات التى طواها النسيان ونكأت جراحا كادت تندمل. غزة أحيت التاريخ وستعيد كتابته.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية