تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لعنة نيتانياهو تطارد بايدن
الخلافات بين أمريكا وإسرائيل حول مسار الحرب فى غزة والتى تتسرب أنباؤها لوسائل الإعلام ليست حدثا استثنائيا ولا تستدعى الابتهاج ولا يجب الرهان عليها أملا فى أن تفيد الفلسطينيين. العلاقات بين البلدين ليست كغيرها من العلاقات الطبيعية بين الدول، وكذلك الخلافات بينهما ليست كغيرها من الخلافات التى تنشب بين البلدان الصديقة، أو حتى بين إحداهما وغيرها من الدول. العلاقات بينهما خاصة واستثنائية بكل المقاييس. وخلافاتهما أيضا استثنائية وعندما تحدث، وقد تكرر ذلك كثيرا، تنحصر فى نطاق الأساليب والوسائل وليس الأهداف، أى التكتيكات وليست الاستراتيجيات. لا يفسد الخلاف فى الرأى الود بينهما، ولا يضر إسرائيل أو يهدد استمرار الالتزام الأمريكى الذى لا يتزعزع بأمنها وحمايتها وضمان تفوقها العسكرى على الدول العربية مجتمعة.
ما يثير قلق الرئيس الأمريكى جو بايدن حاليا ويغضبه من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو هو تجاهله لتأثيرات الحرب على المصالح الأمريكية، وفرصه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. المذابح التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين ليست هى الأزمة بالنسبة له فهو شخصيا ليس بريئا منها فى ظل إصراره على فتح ترسانة الأسلحة الأمريكية لدعمها وتأمين قدرتها على قتل المزيد من الأطفال والمدنيين. لم يبالغ الخبير السياسى الأمريكى بول بيلار المحلل السابق بالمخابرات عندما كتب أن بايدن يتحمل مسئولية أسوأ كارثة إنسانية من صنع البشر فى نصف القرن الأخير. وأنه يظل مسئولا عن نتائج قراره بتقديم دعم مطلق وغير مشروط لنيتانياهو، وإطلاق يديه يفعل ما يشاء دون ادنى اعتبار لمصالح الولايات المتحدة أو نصائح رئيسها ومستقبله السياسي.
وبسبب هيسيريا الانتقام المسيطرة على فكر الحكومة الإسرائيلية دون طرح أى تصورات سياسية للحل تواجه واشنطن حالة من التململ والغضب من حلفائها الأوروبيين وهم بالطبع ليسوا أقل منها دعما لإسرائيل لكنهم يواجهون ضغوطا شعبية لوضع حد لجرائمها.
مشكلة بايدن داخليا أكثر تعقيدا فى ظل تزايد الرفض فى الحزب الديمقراطى وبين التيار الليبرالى عموما لموقفه من الحرب وهو ما قد يكبده ثمنا باهظا فى الانتخابات المقبلة. يزداد موقفه حرجا مع إصرار نيتانياهو على مواصلة تصريحاته المتطرفة وأحدثها أنه منع إقامة الدولة الفلسطينية، وهى احد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية ولو نظريا فقط. فضلا عن تعهدات المتطرفين فى حكومته بإخلاء غزة وطرد سكانها. هكذا تحول نيتانياهو إلى عبء حقيقى على بايدن، ومع ذلك لا يمكنه التراجع عن دعمه أو تقليص المساعدات العسكرية الطارئة المقدمة له. أى خطوة على هذا الطريق ستفتح جبهة لا قبل له بها أمام الجمهوريين المؤيدين لحرب الإبادة فى غزة.
لعنة نيتانياهو ستصيب بايدن فى كل الحالات سواء واصل دعمه أو تخلى عنه أو حتى اكتفى بتقليص مساندته. ولعل هذا يفسر سبب الزيارات المكوكية المكثفة لكبار مسئولى إدارته إلى إسرائيل بحثا عن مخرج ليس لكارثة غزة فقط ولكن لازمته شخصيا. ولا تستبعد مجلة ناشيونال انترست الأمريكية أن يكون نيتانياهو احد الأسباب الرئيسية فى خسارة بايدن الانتخابات المقبلة رغم الصداقة الوطيدة التى ربطت بينهما لسنوات طويلة. وكأن الكاتب الأمريكى يستحضر قول الشاعر: «ليس كل العناق حبا.. ولا كل القرب خير وفير، بعض العناق هلاك معجل.. وبعض القرب شر مستطير».
لكن نيتانياهو لا يعنيه كل ذلك. لا يبالى بمصلحة حليفه ولا حتى بمصلحة الولايات المتحدة. استمرار الحرب ضرورة أو مسألة حياة أو موت بالنسبة له. التوقف الآن دون إحراز نصر واضح يعنى هزيمة إسرائيل من ناحية، والإطاحة به من الحكومة من ناحية أخرى. لو حدث هذا سيكون السجن بانتظاره بعد استئناف إجراءات محاكمته بتهم الفساد. الحرب السبيل الوحيد أمامه لإنقاذ نفسه وإرضاء المتطرفين فى ائتلافه الحاكم وإلا انهار. بنى نيتانياهو مجده السياسى بترويج مقولة إنه رجل الأمن أو «مستر سيكيوريتي» كما يلقبه أنصاره. لكن هجوم حماس فى السابع من أكتوبر ثم فشله فى تدمير الحركة بعد أكثر من شهرين من القتال افقده مصداقيته، وحطم هذه الصورة، ولا سبيل أمامه سوى غسل عاره بدماء الفلسطينيين. الحرب فى كل الحالات طوق النجاة الوحيد له لتأجيل يوم الحساب، لذا يجب أن تستمر لأطول فترة ممكنه أيا كانت النتائج وليذهب بايدن إلى الجحيم.
أما ما يتسرب من أنباء عن الخلافات بينهما فهو يستثمرها لتسويق نفسه كزعيم قوى يتصدى للضغوط الأمريكية ويرفض تقديم أى تنازلات. لا يعنيه كثيرا أن يتسبب تطرفه فى إحراج بايدن أو الإضرار بفرصه الانتخابية بل إن هزيمته وعودة صديقه الحميم دونالد ترامب للبيت الأبيض حلم حقيقى يتمنى حدوثه. ترامب بالنسبة لإسرائيل أكثر كرما وفائدة من بايدن. وقد منحها خلال حكمه هدايا إستراتيجية لم يقدمها أى رئيس أمريكي، فى مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأمريكية إليها والاعتراف بضم الجولان، والتراجع عن حل الدولتين، وإغلاق القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير بواشنطن، ووقف المساعدات للفلسطينيين، ثم هندسة الصفقات الإبراهيمية للتطبيع مع الدول العربية.
أين بإيدن من كل هذه المكاسب.. أليس الأفضل بالنسبة لإسرائيل أن يرحل؟ وما دامت تضمن تدفق الأسلحة الأمريكية واستمرار الدعم السياسى فلا ضير من إغضابه أو حتى إسقاطه. وإذا حدث ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وعلى نفسها جنت براقش.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية