تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > عاصم عبد الخالق > أمريكا الجديدة «5» جيل «زد» يصنع التغيير

أمريكا الجديدة «5» جيل «زد» يصنع التغيير

منذ أن وطأت أقدام جدودهم الأرض الجديدة يتوارث الأمريكيون جينات التغيير والمغامرة والأحلام الصعبة الكبيرة. أمة تتجدد دائما، لا تطيق السكون لا تتعب ولا تكل. يدمن الأمريكي الحركة والتنقل ومن النادر أن يبقى طويلا في نفس المسكن أو المدينة أو العمل. وباستخدام حقوقه الدستورية لا يسمح لمسئول تنفيذي بالبقاء في منصبة طويلا. الانتخابات مواسم تغيير دورية. كلهم هنا اليوم وسيرحلون حتما غدا أو بعد غد. إساءة الاختيار واردة لكنهم يقبلون المخاطرة بتحدياتها وتبعاتها، وهم على ثقة بأن الديمقراطية تصلح أخطاءها بأقل الأضرار الممكنة.

عشق المخاطرة والرغبة في التغيير هو الوقود الذي يحرك الجيل الجديد من الشباب الأمريكيين. يحلمون بدولة جديدة تختلف كثيرا عن تلك التي أسسها الأباء والأجداد. من يطلقون عليه جيل «زد» هو الذي سيغير أمريكا وهي تتغير بالفعل، وبعض التغييرات تحمل بصمات شبابها الصاعد. يحلم أبناء هذا الجيل بدولة أكثر عدلا واستقرارا وسلاما ورخاء. يرفضون سطوة رأس المال وهيمنته على السياسة. يريدون تحرير وعي المواطن من تأثير إعلام توجهه وتتحكم فيه جماعات المصالح خاصة اليهودية.

يشعرون أنه حان الوقت لتغيير قواعد اللعبة السياسية الخبيثة التي ترهن نجاح أي مسئول برضى المليارديرات وتبرعاتهم. كانت تجربة نجاح زهران ممداني المرشح المسلم الاشتراكي في انتخابات عمدة نيويورك سابقة ملهمة أظهرت للشباب أنهم يمكنهم بالفعل تحدي جماعات الضغط والممولين الكبار والإعلام وكلهم تكتلوا لإسقاطه.

لكن ماذا يريد هذا الجيل.. ما هي أمريكا الجديدة التي يحلم بها؟ صحيفة «وول ستريت جورنال» حاولت البحث عن إجابة عندما أطلقت قبل أسابيع مشروعا بحثيا كبيرا بعنوان «أمريكا 50 قصة أعظم اقتصاد في العالم». لا يتوقف المشروع عند سرد الأمجاد لكنه يسعى لاستقراء مستقبل البلاد في 2075 أي بعد نصف قرن بمناسبة الاحتفال خلال العام المقبل بذكرى مرور 250 عاما على تأسيس الولايات المتحدة أو ما يعرف بإعلان الاستقلال.

تحدثت الصحيفة عن التحولات المهمة التي طرأت على النظام الرأسمالي وتطرقت إلى أراء الخبراء عن ملامح التغييرات المرتقبة في العقود الخمسة المقبلة. ولكي تأتي تغطيتها شاملة رأت أنه لابد من استطلاع أراء وتوقعات المواطنين أنفسهم لاسيما الشباب الذين سيصنعون التغيير ويعيشونه في مستقبل أيامهم.

في مستهل تقريرها نشرت كلمة لرئيسة التحرير أيما توكر قالت فيها إن الرأسمالية الأمريكية تطورت منذ تأسيس الدولة 1776 وأصبحت أقوى محرك للتغيير الداخلي لكن السؤال الأهم الآن هو إلي أين تتجه أمريكا؟ وهل مازالت قادرة على تحقيق التوازن بين اقتصاد حر فعال وعدالة اجتماعية منشودة وربما غائبة؟.

ليس من المتاح عرض آراء القراء كلها لكن إجمالا يمكن تقسيمها إلى فئتين أساسيتين؛ الأولى متفائلة تتوقع مستقبلا ورديا مزدهرا، بينما ينظر الفريق الثاني إلى النصف الفارغ من الكوب ويرى أن هذا هو المؤشر الواقعي المعبر عن حال أمريكا التي تتراجع بعد أن فقدت نخبتها البوصلة إلى طريق النجاة.

يعتقد الفريق الأول أن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر، وأن أمريكا بفضل ديناميكية نظامها الاقتصادي ومرونته قادرة على تحقيق مزيد من الإنجازات ومواجهة كل التحديات الخطيرة. ويرون أن التوسع في الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي سيكون فاتحة خير للأجيال القادمة. يذهب أصحاب هذه النظرة الوردية إلى أن أمريكا الآن أصبحت في موقع يضمن لها التفوق لعقود طويلة على كل منافسيها الخارجيين.

على النقيض من ذلك يخشى الفريق الآخر تفاقم الأزمات الداخلية وتداعي الاستقرار بسبب الإخفاق في تحقيق العدالة الاجتماعية وهي بدورها نتيجة مباشرة للخلل في توزيع الثروة. يتوقعون أيضا أن تتوحش الشركات وتحكم قبضتها على الاقتصاد وسيدفع المواطن ثمن جشع الأغنياء. في هذا المناخ ستتصاعد الاضطرابات الشعبية ويزيد الاستقطاب السياسي. وعندما ينحاز الليبراليون واليساريون للطبقات الكادحة ستجنح التيارات اليمينية لمزيد من التطرف ومن ثم تتأجج نيران الكراهية ضد الأجانب والأقليات وتبدأ أمريكا فصلا جديدا في مسيرتها العنصرية مستلهمة أرث ماضيها البغيض.

في مثل تلك الأجواء تتعاظم قوة جماعات المصالح ومجتمع الصناعات العسكرية الساعي للربح ويصبح من المرجح أن تتورط الدولة في مغامرات خارجية جديدة تستنزف مواردها البشرية والمادية. أما إذا استمرت السياسات المستمدة من شعار ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» فهذا يعني من وجهة نظر هذا الفريق أن أمريكا مقبلة على مرحلة انكفاء ذاتي أو انسحاب إلى الداخل. وبتعبير أحد القراء فإن «تحصين أمريكا» على هذا النحو يعنى أنها ستصبح مجرد أثر يحكي قصة أمة عظيمة جار عليها الزمن، وأصبحت جزءا من الماضي.

بين التشاؤم والأمل يبقى هناك فريق ثالث عبر عن رؤية مختلفة استوقفت الصحيفة واعتبرتها الأهم خاصة وأن أصحابها من الشباب. من وجهة نظر هؤلاء فإن أمريكا تسير أو يجب أن تسير على هدى التجربة الأوروبية ورؤيتها الخاصة للاشتراكية، لكن التطبيق سيكون على الطريقة الأمريكية. المعنى الذي يقصدونه هو أنه لن يتم التراجع عن النظام الرأسمالي أو استبداله لكن سيتم ترويضه وتهذيبه عبر تدخل أكثر قوة وفاعلية من الدولة في توجيه القطاع الخاص. وبفضل هذا التدخل الذي يستهدف الحد من توحش الشركات سيتم توفير الرعاية الاجتماعية لقطاعات أوسع من الشعب وستتحقق معها العدالة في توزيع الثروة. وفي نهاية المطاف، وفقا لما يتوقعون، ستكون أمريكا الجديدة أشبه بأوروبا اليوم من أمريكا الأمس.

الجيل الجديد يدفع بقوة نحو هذا الاتجاه. وترى الصحيفة أنه مقتنع بنمط اقتصادي أقرب للاشتراكية، ويهتم بالعدالة الاجتماعية أكثر من الفرص الفردية، وينظر إلى أوروبا بشبكة الأمان الاجتماعية التي تقيمها ومنظومة الرعاية الصحية التي تتمتع بها باعتبارها المدينة الفاضلة التي يريد محاكاتها في بلاده. هؤلاء الشباب يتسلحون بوعيهم وبالديمقراطية وسيصوتون للسياسيين الذين يؤيدون هذا التوجه ومن هنا سيولد التغيير.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية