تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إرهاب الداخل الأمريكى
لن يقضى قتل الظواهرى على القاعدة. ولن ينهى تدمير القاعدة الإرهاب. ولن تحقق الضربات الموجعة للتنظيمات الإرهابية بالعالم الأمن لأمريكا. هذه أهم الخلاصات التى يمكن الخروج بها من طوفان التحليلات والتعليقات التى جادت بها قريحة خبراء مكافحة الإرهاب والصحفيين الأمريكيين منذ اغتيال زعيم القاعدة فى بيته بكابول.
تحتاج تلك الإثباتات إلى معطيات تقود إليها وتفسرها وهو ما يتطلب أولا الإقرار بحقيقتين الأولى أن ابتهاج إدارة بايدن بتصفية المطلوب الأول على قائمتها للإرهاب مفهوم. بل إن المبالغة فى احتفالها طبيعى ومتوقع لأسباب داخلية وخارجية. لكن عندما تذهب السكرة وتأتى الفكرة ستكتشف أن نصرها الكبير مجرد انجاز رمزى لن يغير شيئا على الأرض، وليس له أهمية حقيقية فى حربها العالمية ضد الإرهاب.
الحقيقة الثانية هى أن عملية الاغتيال من الناحية العسكرية والاستخبارية ناجحة بل مبهرة من حيث التنظيم والتخطيط وجمع المعلومات ثم دقة التنفيذ لكن ذلك لا ينفى أن ما تحقق ليس إلا نصرا تكتيكيا رمزيا لن تترتب عليه نتائج سياسية أو عسكرية ذات قيمة. حتى آمال بايدن بأن تسهم العملية فى ترميم شعبيته المتداعية أو تحسين فرص حزبه فى انتخابات نوفمبر لا تبدو أنها ستتحقق.
نعود إلى خلاصات الخبراء وأولها أن قتل الظواهرى لن يكون التاريخ الرسمى لإعلان وفاة القاعدة؛ ذلك أنه انجاز تأخر 21 عاما ومن ثم فقد أهميته. لو تم قبل أو بعد هجمات سبتمبر 2001 لكان انتصارا هائلا ربما أنقذ حياة مئات الأبرياء. الظواهرى فى الواقع لا يدير القاعدة على المستوى التنفيذى إذ أصبح زعيما رمزيا ومنظّرا أيدلوجيا وموجها استراتيجيا لها أكثر من كونه قائدا تنظيميا. وبسبب الضربات العنيفة التى تلقتها القاعدة منذ 2001 تغيرت تركيبتها من تنظيم مركزى إلى خلايا عنقودية متناثرة تعمل كل منها وفقا لظروفها وطبيعة البيئة التى تتواجد فيها مع الالتزام بالتوجه العام للجماعة الأم. لذلك فإن اختفاء القائد الرمزى ليس له تأثير كبير.
أما السبب الذى لن يجعل تدمير القاعدة، إن حدث، نصرا مؤزرا فى الحرب ضد الإرهاب فهو أن أجيالا أخرى من التنظيمات الإرهابية ولدت وترعرعت واشتد عودها بالفعل منذ هجمات سبتمبر، ولم تعد القاعدة هى التنظيم الوحيد أو الأقوى بسبب الضربات التى تعرضت لها. وأصبح تواجدها وتأثيرها المعنوى أكبر بكثير من قدرتها على تنفيذ عمليات بحجم هجمات سبتمبر أو تدمير السفارات الأمريكية فى إفريقيا أو الهجوم على المدمرة كول أمام اليمن.
أما الخلاصة الثالثة بشأن خطر الإرهاب المستمر فى أمريكا رغم نجاحها فى تقليص قدرات الجماعات الإرهابية بالعالم فتفسيرها بسيط وهو أن الإرهاب المحلى أو الداخلى الذى ينتجه المجتمع الأمريكى نفسه أصبح هو الخطر الحقيقى على أمنها وليس الإرهاب الخارجى الذى تراجع خطره. إنه إرهاب صناعة أمريكية خالصة أفرزته ثقافتها الملوثة بميكروبات العنصرية والغطرسة. لذا تراجع الإرهاب القادم من الخارج أمام الإرهاب النابع من الداخل والذى تمارسه الجماعات اليمينية المتطرفة والمليشيات المناهضة للحكومة والعنصريون من دعاة تفوق العرق الأبيض.
وفى أول إستراتيجية قومية لمواجهة الإرهاب المحلى والتى طرحتها الإدارة فى يونيو 2021 أقرت بوضوح تام بأن الإرهاب الأمريكى الداخلى وليس ما يسمى بالإرهاب الإسلامى أو الجهادى الوافد أصبح الخطر الأول الذى يهدد حياة الأمريكيين. ووفقا لما تقول الوثيقة تم التوصل لهذه النتيجة بناء على تقييمات شاركت فيها 3 جهات رئيسية هى وزارتا الأمن الداخلى، والعدل، ومكتب مدير المخابرات الوطنية. وكشفت الوثيقة عن أن 66% من الهجمات والمخططات الإرهابية بأمريكا خلال 2020 ارتكبها متشددون أمريكيون يعتنقون أيدلوجيات عنصرية متطرفة.
ولمركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية بواشنطن تحليل مهم يوضح أن 94% من العمليات والمخططات الإرهابية الداخلية فى نفس العام نفذها أمريكيون لهم مطالب ومظالم محلية خالصة أى ليس لها علاقة بالسياسة الخارجية. وأوضح التحليل أن الجهاديين ارتكبوا 5% فقط من هذه العمليات. ومنذ هجمات سبتمبر 2001 لم تشهد الولايات المتحدة سوى عملية إرهابية واحدة خططت لها منظمة خارجية وكان ذلك فى ديسمبر 2019 عندما هاجم مواطن عربى قاعدة بحرية فى تكساس وقتل 3 أمريكيين ثم أعلن تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية مسئوليته عن الهجوم.
إحصائيات كثيرة أخرى تؤكد هذا التحول منها ما ينشره موقع «العالم فى أرقام» وهو مشروع بحثى بريطانى تشارك فيه عدة جامعات ومنظمات بحثية. وتوضح بيانات الموقع أن 2% فقط من ضحايا الإرهاب خلال 2019 كانوا فى أمريكا وأوروبا. بينما سقط 95% منهم فى الشرق الأوسط وإفريقيا واسيا. أى أن الإرهاب العالمى لم يعد تهديدا حقيقيا فى الواقع بالنسبة للغرب. وكما يقول باحث أمريكى فإن عدد ضحايا حوادث الطرق بأمريكا يبلغ 120 قتيلا يوميا فيما لا يزيد عدد ضحايا الإرهاب فيها سنويا عن نصف هذا الرقم.
فى كل الأحول وأيا كانت جنسية الضحايا يبقى الإرهاب جريمة وحشية تؤرق الضمير الإنسانى وتحتاج لتكاتف العالم لمواجهتها، ولن يكون ذلك إلا بمعالجة جذوره وأسبابه الحقيقية. سيستمر الإرهاب مادات أسبابه كامنة فى المجتمعات التى نشأ فيها وانطلق منها إلى غيرها. لن ينتهى بتدمير القاعدة أو داعش. جذوره الغائرة فى تربة هذه المجتمعات يرويها الظلم والفساد والتطرف والجهل لذلك لن تتوقف عن طرح نباتات شيطانية جديدة.
الإرهاب ليس مجرد ممارسة وحشية إنه قبل ذلك فكرة فاسدة وعقيدة ضالة أنتجتها ظروف استثنائية شاذة لن تجدى معها أساطيل أمريكا وطائراتها المسيرة. ويمكن لصاروخها الذكى هيلفاير الذى قتل الظواهرى أن يقتل كثيرين غيره لكن ليس بوسعه أن يقتل الأفكار.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية