تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فى «قمة النار» الطبع يغلب «التطبيع»!
القصة شهيرة ومثيرة وموحية. أراد عقرب عبور النهر لكنه لا يستطيع السباحة وما إن رأى ضفدعا قريبا منه حتى ترجاه أن يحمله على ظهره إلى الشاطئ الآخر.
تردد الضفدع قائلا: «أخشى أن تلدغنى وأموت».
رد العقرب مطمئنا: «هذا غير معقول فلو لدغتك سأغرق أنا أيضا». اقتنع الضفدع وحمل العقرب على ظهره ولكن فى منتصف النهر لدغه العقرب فجأة ورغم الألم الشديد سأل العقرب: «لم فعلت ذلك وأنت ستموت معي؟».
أجاب العقرب قبل أن يغرق: «الطبع يا صديقى يغلب التطبع».
ولو ترجمنا هذه الأسطورة الروسية المنبت ترجمة سياسية واقعية لكانت إجابة العقرب الإسرائيلى على الضفدع القطري: «الطبع يا سيدى يغلب التطبيع».
فى عملية عسكرية مباغتة وصادمة وغير متوقعة شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشر هجمات على قطر فى وضح النهار بأمر من «بنيامين نيتانياهو» بحجة اغتيال قيادات من حماس احتفلت فى المكان نفسه بعملية «طوفان الأقصي».
لم يستوعب رئيس الحكومة الإسرائيلية المنفلت السلوك أن القوى لا يتصرف بغرائزه السفلية مثل الأفاعى والتماسيح والعقارب وإلا أصيب بالهيستريا.
لسنوات طوال احتضن «نيتانياهو» حماس ليكرس العداء بين غزة والضفة الغربية حتى يمنع قيام دولة فلسطينية وسمح بتسليح الحركة ومنح اتباعها المزيد من فرص العمل فى المستوطنات القريبة ولكنه خشى أن تتحالف مع إيران ففكر فى البحث عن طرف ثالث عربى يستقطب حماس ويسيطر عليها وبتوصية أمريكية لعبت قطر هذا الدور.
كانت قطر بتشجيع أمريكى قد اختارت لنفسها أن تكون «قاعة مفاوضات» الدنيا بين التيارات الإسلامية المتشددة وبين القوى الغربية ووظفت قطر امكاناتها المادية والدبلوماسية والإعلامية لتنفذ هذه المهمة ببراعة وبنجاحها فى التوفيق بين الولايات المتحدة وطالبان تحمست قطر لتكرار المشهد بين إسرائيل وحماس.
نجحت قطر فى السيطرة على حماس ولمزيد من التحكم استضافت قيادات الحركة فى الدوحة ليسكنوا فنادقها الفخمة المترفة هم وأسرهم مما أثار الاستهجان فيما بعد ومولت قطر مشروعات سكنية وخدمية واستثمارية ومعيشية فى غزة، وبمعرفة الموساد أرسلت حقائب المال إلى الحركة ووصل الرقم إلى مليار دولار، خصمت منه البنوك الإسرائيلية عمولتها بعد تحويله إلى «الشيكل» وشعر «نيتانياهو» بالنشوة.
لكن بعد انفجار عملية «طوفان الأقصي» انقلبت النشوة إلى لعنة وبدأت القوى السياسية والأمنية فى إسرائيل تهاجم «نيتانياهو» وتتهمه بأنه سمح للأموال القطرية فى بناء قوة حماس العسكرية التى فضحت نظريات الأمن والحرب الإسرائيلية فى خريف عام 2023.
وكان على «نيتانياهو» أن يفعل المستحيل حتى يحافظ على وجوده السياسى وإلا وجد نفسه فى السجن متهما بثلاث قضايا فساد على الأقل وبدأ سلسلة من اغتيالات قادة حماس وحزب الله فى أماكن متفرقة اردت شهوة القتل التى تمكنت من الإسرائيليين.. بحجة وجود قيادات من حماس فى الدوحة أمر «نيتانياهو» بتنفيذ عملية «قمة النار» ولكن الحقيقة أنه أراد أيضا أن يضرب فرص التسوية التى تتبناها قطر منذ اليوم الأول للحرب على غزة ولو كان الثمن صداقة دولة حليفة مسالمة مساندة شاركت مصر فى الوصول الى أكثر من هدنة لتحرير العديد من الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين.
لو كان «نيتانياهو» يقصد تصفية قيادات حماس دون أن يسيء إلى قطر لاختار مكانا آخر غير الدوحة كما حدث عند اغتيال «إسماعيل هنية» فى طهران. لكنه أراد ان يعلن أن لا حليف له سوى القوة الغبية وأن العرب بالنسبة اليه جنس واحد لا فرق فيه بين عربى مسلح وعربى مسالم أو بين عربى على حدوده وعربى بعيد عنها أو بين عربى يؤمن بالتطبيع وعربى ينكره.
والمثير للدهشة ــ وربما السخرية أيضا ــ أن وفد حماس فى الدوحة كان يناقش مبادرة «ترامب» لإيقاف الحرب التى حملها مبعوثه إلى الشرق الأوسط، الثرثار منفلت اللسان «ستيفين ويتكوف».
قبل شهر من المباحثات تعهدت الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية بحماية زوار قطر وضيوفها ولو كانوا مطلوبين من حركة حماس ولكن لا «نيتانياهو» احترم كلمته ولا «ترامب» منعه من تنفيذ العملية بل وافق عليها فى حالة من التناقض بين الحديث عن التسوية وشهوة القتل، التى انتقلت من تل ابيب إلى البيت الأبيض.
على أن «ترامب» كان لابد أن يطلع على العملية قبل تنفيذها حتى يجمد وسائل الدفاع الجوى فى قاعدة «العديد» الأمريكية (المقر المتقدم للقيادة المركزية) فلا تتعرض إلى الطائرات الإسرائيلية المغيرة على المكان المستهدف والذى يبعد 30 كيلومترا من القاعدة.
خاطر «ترامب» بعلاقة الولايات المتحدة مع حليفها الرئيسى فى الخليج بعد أن حصل منها على طائرة رئاسية هدية ثمنها 400 مليون دولار الى جانب استثمارات تزيد على التريليون دولار.
والمؤكد أن دول الخليج الأخرى التى لم تقل كرما عن قطر شعرت بأن الولايات المتحدة عاجزة عن حمايتها وبدأ الحديث عن مؤتمر قمة عاجل (خليجى او عربى أو إسلامي) وطرحت على الفضائيات اقتراحات بإجراءات عقابية غير حاسمة ولم يتحدث أحد عن قطع او تجميد العلاقات مع إسرائيل فى ذكرى مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقيات «إبراهام» التى وقعت فى 15 سبتمبر 2020.
لكن الأخطر ان إسرائيل كلها وقفت إلى جانب ضرب قطر بعد لبنان وسوريا واليمن بحجة أن جيشها أصبح يحكم الشرق الأوسط إلى الأبد، كما أعلن رئيس الكنيست «أمير أوحانا».
حسب ما ترجم «عزام أبو العزم» الباحث فى الشأن الإسرائيلى فإن كثيرا من الصفحات العبرية طالبت بتأدية التحية إلى الجيش الإسرائيلى الذى يضرب فى المكان والزمان الذى يشاء ليرى الشرق الأوسط عظمة الدولة الصهيونية.
والمقصود أن إسرائيل لم تعد تعبأ بأحد سواء وقعت معه اتفاقية سلام أم لم توقع وأعلنت أنها ستقصف أى دولة فى المنطقة لن تنفذ ما تريد مهما بالغت فى أهدافها المستحيلة.
إن هناك عروبة سهلة تكتفى بالبيانات واللافتات وشرب القهوة المرة فى مؤتمرات القمة وهناك عروبة صعبة لها تاريخ مشرف فى مواجهة الأخطار المشتركة.
حان الوقت لترك العروبة السهلة والعودة إلى العروبة الصعبة. لا مفر من ذلك حتى لا يصرخ الثور الأسود بأنه أُكل يوم أُكل الثور الأبيض.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية