تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
«ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسللوا من عيوبنا»!
أومن بأننا من وقت إلى آخر فى حاجة إلى «خضة ما» تغير فصيلة دمنا.
وأعتقد أن حديث «نيتانياهو» عن «إسرائيل الكبرى» غير تركيب دمنا. حديث يقلب طاولة السياسة العربية ويصادر منا «أدوات الغيبوبة» ويقطع إجازات الجميع ليتأكدوا أن هويتهم الوطنية والحضارية والجغرافية لم تصبح عبرية بعد.
تقمص «نيتانياهو» شخصية النبى «إبراهام» الذى وعده الرب وذريته فى سفر التكوين بمساحات واسعة تمتد من نهر مصر الى نهر الفرات. رئيس الحكومة الإسرائيلية المتهم بالرشوة والتربح وسوء استخدام منصبه يخرج من حارة اليهود الضيقة (الجيتو) ليعيد مجد النبى «داود».
فعل ذلك بعد خمسين يوما من قرار الكنيست ضم الضفة الغربية بلا رجعة. هبط عليه الوحى التوراتى قبل ان يتطهر من مجازر الإبادة الجماعية التى ارتكبها ضد الفلسطينيين ليتحدث عن «الرسالة التاريخية والروحانية التى تتوارثها الأجيال» لتحقيق حلم السيطرة على الشرق الأوسط.
تمددت شهوة الطمع بشراهة نحو التهام أراض مصرية وأردنية وسعودية وعراقية ولبنانية بعد ابتلاع كامل فلسطين التاريخية دون حاجة لفاتح شهية.
وسارعت جمعية «جغرافيا التوراة» بنشر خريطة إسرائيل العريضة التى سبق ان وضعها «نيتانياهو» فى عين أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يتحدث إليهم عن شرق أوسط جديد. لكن لا أحد منا أخذ «الشو» السياسى بجدية.
اعتبرنا أن ما نحن فيه ثوابت لا تتغير ولن تتغير. اعتبرنا أن الحجر سيظل صلبا مهما توالت ضربات المطرقة، وأن الجرح سيبرأ مهما كانت طعنات الخنجر.
لم تفرق هذه الاستراتيجية المقتبسة من «بيت الطاعة» بين دولة عربية مستهدفة ودولة عربية مستبعدة. لكنها أدركت ان فرصتها الذهبية نضجت وحان قطافها فى وقت تتناحر فيه القبائل العربية غير منتبهة إلى ان النار أمسكت بالسجادة القومية التى نجلس عليها جميعا.
وما يثير الدهشة أن الدماء تغلى وتفور من «بوست» ما فيه شوفونية عربية كفيلة بإعلان حرب أهلية باردة، بينما لا تثير التصريحات العبرية المهددة للوجود قبل الحدود سوى بيانات تقليدية رافضة لكنها ليست فى مستوى المؤامرة.
والحقيقة ان هذه الاستراتيجية كالقطط بسبع أرواح وخططها نباتات شيطانية تتكاثر فى جميع الظروف وتطلع علينا من جميع الجهات.
ليست المرة الأولى التى نقرأ ونسمع ونتابع فيها هذه الأحلام، لكنها المرة الأولى التى يجب ألا نتعامل معها على أنها صرة أوهام.
إنها ليست مجرد كلمات للصلاة تتبخر بعد الخروج من المعبد، وإنما دعوة متوارثة يتبناها جيل بعد جيل حتى تصبح حقيقة قائمة. فى ثمانينيات القرن العشرين استخلص الباحث الإسرائيلى «أوديد بنون» من كتابات يهودية دينية ووثائق سياسية حكومية ما وصف بالخطة التوسعية. ورسمت الخطة النسخة الأولى من الخريطة التى رفعها «نيتانياهو» فيما بعد.
والحقيقة أن المشاعر التى يتحدث عنها «نيتانياهو» ليست مشاعر شخصية رومانسية عفوية سينساها إذا ما شرب كأسا فى صحة «ترامب».
إن جده «ناثان ميليكوفسكي» كان حاخاما متشددا يؤمن بأن طالع اليهود فى التوراة، وعندما هاجرت العائلة الى إسرائيل غيرت لقبها من «ميليكوفسكي» إلى «نيتانياهو» وتعنى «الله أعطي».
لكن الأهم ان العائلة انتمت الى حركة علمانية يمينية تسمى «الصهيونية التصحيحية» أسسها «زئيف فلاديمير جابوتنسكي» حركة أكثر تشددا وتطرفا وعنفا، لم تقبل بتقسيم فلسطين وكونت عصابات إرهابية ضد بريطانيا لتسمح بمزيد من هجرة اليهود، وارتكبت المذابح ضد القرى العربية ليفر أهلها منها.
إن «جابوتنسكي» هو «الموديل» الذى اختاره «نيتانياهو» لنفسه وفى خطاباته يقدمه على انه ملهمه ومرشده الروحي. بل انه يحتفظ بسيفه ضمن مقتنياته ولا يكف عن قراءة أعماله وخصص يوما فى السنة لإحياء ذكراه، وأطلق اسمه على شوارع ومراكز متعددة فى إسرائيل.
كان «جابوتنسكي» الأكثر عنفا بين الجيل المؤسس للدولة الصهيونية. تحدث عن الأحذية الثقيلة التى تصنع وحدها التاريخ، وآمن بأن العالم لا يشفق على المذبوحين ولا ينحنى إلا للمنتصرين.
«أما الطريقة الوحيدة التى يوافق بموجبها العرب على دولة يهودية فى فلسطين فهى القوة التى تسحقهم وتذعنهم». والمعنى نفسه كرره «نيتانياهو» كلما تكلم. بل وترجمه فى حرب بلا سوابق فى الدمار والخراب والموت بالجملة. والمؤكد انه تحدث بلسان التوراة ولكنه تصرف على طريقة «هتلر».
لم تعد أفران الغاز نازية بل أصبحت يهودية. ولنتذكر أن «هتلر» عندما احتل النمسا لم تصدق باقى الدول الأوروبية ان الدور عليها بل وتحمست الى توقيع اتفاقيات سلام معه لكن «الفوهرر» ظل يواصل الزحف بلا توقف. السياسة نفسها نفذها «نيتانياهو». ماطل فى إيقاف الحرب التى شنها على غزة واحتلت قواته مساحات فى جنوب لبنان ووصلت إلى مناطق فى سوريا حتى اقتربت من دمشق، بينما دول عربية أخرى تتحدث عن السلام معه.
ما أعلنه «نيتانياهو» عن «إسرائيل الكبرى» بدأ فى تنفيذه بالفعل. ما أعلنه ليس خطة مستقبلية وإنما واقع ملموس على الأرض. والحقيقة ان اليهود أثبتوا لنا ان ما يسعون إليه يحققونه ولو بعد حين. بلا انقطاع تتواصل الأجيال فى تنفيذ المهام الكبرى مهما اختلفت سياسيا أو دينيا أو حزبيا.
فى 14 فبراير 1896 نشر «تيودور هرتزل» كتابه «الدولة اليهودية» وفى 14 مايو 1948 أعلنت الدولة اليهودية، وبين التاريخين نحو نصف قرن من الجهود المتتالية والمتواصلة والمشتركة. ومنذ عام 1953 وضعت الخطط العلنية والخفية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ولا تيأس إسرائيل من تنفيذها وإن تواجه هذه المرة بموقف رسمى وشعبى ثابت فى مصر. والمشكلة ليست فى إسرائيل وإنما فى العرب.
هنا نلخص الموقف بجملة حاسمة من سيد شعراء زمانه «نزار قباني»: «ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا».
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية