تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. عادل القليعي > "الأهرام".. مائة وخمسون عامًا من التنوير

"الأهرام".. مائة وخمسون عامًا من التنوير

تأسست صحيفة الأهرام عام 1875، وهذا يعني أن تواجدها بين أيادي القارئ الكريم منذ 150 عامًا. وهذه العقود الزمنية التي مضت تعني الكثير والكثير لكل من هو قارئ جيد، مهتم بالثقافة، لا أقول الثقافة المصرية فقط، بل كل من هو مهتم بقضايا وأخبار أمته العربية والإسلامية.

وهذا ليس كلامي وحدي، وإنما هو حديث كل من أمسك بالصحيفة الورقية لقراءتها وتصفح ما ورد بها، ليس هذا وحسب، بل حتى من وقعت عيناه قدرًا على روابط مواقعها الإلكترونية. فباتت متاحة للجميع، دخلت كل البيوت المصرية، ومعظم البلدان العربية، وقد لا أكون مبالغًا إذا قلت: غزا فكر كتابها الأكارم معظم بلدان العالم بعد ترجمة مقالاتهم، بل وأصبح انتظار صدور أعدادها قدرًا مقدورًا، ينتظره أهل الفكر والثقافة بفارغ الصبر.

لا أقول كلامي هذا لأني كتبت بها فترة على صفحاتها الورقية، أو لأني من كتاب بوابتها الإلكترونية، ولا نقول ذلك مجاملة لأحد، وإنما نقول كلمة حق يراد بها حق، فالكلمة أمانة ومسئولية سنسأل عنها أمام الله تعالى، "فلا يزال الرجل يتفوه بالكلمة من سخط الله فتهوي به في النار سبعين خريفًا، ولا يزال يقولها في رضوان الله فترفعه مقامًا عليًا."

إن صحيفة الأهرام، صحيفة عريقة لا تقل في الأهمية عن الصحف التي أسسها رواد التنوير في العصر الحديث، كصحيفة المنار، والوقائع المصرية وغيرها من الصحف التي شهدت على مراحل فكرية مرت بها مصر في تاريخها الحديث والمعاصر. فلا أحد ينكر دور هذه الصحف في تنوير الناس وتبصيرهم بقضايا وطنهم وتنمية الحس الوطني خصوصًا إبان فترات الاحتلال الفرنسي والإنجليزي والعدوان الثلاثي لمصر، ولا أحد ينكر دور الأهرام، وحتى أكون موضوعيًا ومعظم الصحف المصرية القومية، وبعض الصحف الحزبية في شحذ الهمم وإحداث نوع من التعبئة النفسية عند المواطن خصوصًا بعدما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر بعدما حدث في عام 1967، إلا أن تجاوز هذه المحنة لم يكن سهلًا على نفوس الناس لولا أن عناية الله تدخلت وسخرت أقلامًا وطنية مخلصة أخذت بأيدي القوم فتحولت من خلالها الهزيمة إلى نصر معنوي بفضل الكلمة التي كان وقعها على النفوس وقع السحر، "فإن من البيان لسحرًا".

وظلت هكذا الأهرام تشحذ الهمم وتنمي روح المواطنة في قلوب المصريين وترفع الروح المعنوية إلى أن تحقق النصر المبين في السادس من أكتوبر عام 1973. وتصدر علم مصر يرفرف على أرض سيناء، وصور العبور المجيد مانشيتات الصفحة الأولى، ولما تحمله هذه الصحيفة من شفافية ومصداقية راح الناس يزفون خبر النصر إلى بعضهم البعض، بعدما شاهدوا في الشوارع بائع الصحف ينادي مهللًا ممسكًا بها في الشوارع، صوته مدويًا أخرج الناس إلى شرفات منازلهم. نعم، إنه الإعلام المقروء الذي تحول إلى مسموع بفضل هؤلاء الذين يجوبون الشوارع مهللين فرحين راقصين احتفاء بالنصر المبين.


ليس في وقت الحرب فقط، وإنما في كل الأوقات، فالأهرام صحيفة مواكبة لكل الحقب الزمنية منذ تأسيسها إلى يومنا هذا، شاهدة على العصر، مسايرة ومواكبة للحدث، شاهدنا ذلك من خلال تغطيتها للأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، بل وطرح القضايا المجتمعية من خلال مقالات رصينة يكتبها كبار الشخصيات التي لها باع طويل في مجال الفكر السياسي والفكر الاجتماعي، وشتى فنون المعارف. وشواهدي على ذلك كثيرة جدًا، فمن الذي كتب عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948؟ الأهرام وغيرها من الصحف القومية، لكن جدلية الطرح والمعالجة مختلفة تستشعر معه مذاق كتاب الأهرام العظماء، ولا تزال تغطي كل الأحداث الجارية في غزة الآن، بل ويدفع كل كتابها بمنتهى القوة، قوة الحجة والمنطق، يدفعون فريات أثارها بعض المأجورين الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، يبطلون شبهاتهم التي أثاروها حول مصر، وأن مصر هي السبب في تجويع أهل غزة. 

وهنا لا يمكن لقلم منصف أن يظل ساكتًا من أجل الدفاع والنفاح عن وطنه ضد هذه الشرذمة الضالة المضلة التي غرضها إثارة الشكوك وبث روح الفرقة بين المواطنين البسطاء، ومن هنا لم تألُ جهدًا هذه الصحيفة الغراء وبواباتها الإلكترونية، لم تدخر جهدًا في دفع هذه الفريات وتنوير العقول وتبصيرهم بحقيقة ما يجري على أرض الواقع.

ليست الأحداث الجارية فقط شغلها الشاغل، وإنما اهتمت ولا تزال بكل ما يهم المواطن المصري وإحاطته علمًا بكل ما يحدث، وكل ما يتم تنفيذه من مشروعات تنموية تُنفذ على أرض الواقع، من خلال تغطيتها لكل نشاطات الدولة خصوصًا في المجال الاقتصادي.

فعندما يُدعى لمؤتمر صحفي، تجد محرريها في مقدمة الصفوف، وهذا ما أرادته الدولة المصرية الآن في ظل عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، المصارحة والمكاشفة وإحاطة الناس بكل ما يحدث، وهذا دور مهم جدًا حملته على عاتقها صحيفة الأهرام. وحمله على عواتقهم نخبة ممتازة من كتابها الأفاضل، لا أقول صفحات الرأي فقط أو كتاب بوابة الأهرام فقط والذين يمثلون في حد ذاتهم صروحًا ثقافية وتثقيفية وتنويرية، وإنما كل صفحاتها، فوجدنا التحقيقات الصحفية، وجدنا بريد الأهرام، شاهدنا القصص المبدعة التي تعرض في بريد الجمعة يعرضها محللين إياها كتاب بارعون. لا أقول في إصدار الصحيفة فقط، بل في كل إصدارات مؤسسة الأهرام، التي تبلغ نحو أحد عشر إصدارًا، وكأنها أحد عشر كوكبًا: الأهرام المسائي، مجلة البيت ونصف الدنيا، الأهرام الاقتصادي ولغة العصر، الشباب، الأهرام العربي، الأهرام الرياضي، الأهرام ويكلي، الأهرام إبدو، مجلة علاء الدين، السياسة الدولية، الأهرام التعاوني والزراعي، ديوان الأهرام.

فإنه لشرف عظيم أن تكون من كتاب الأهرام؛ سواء كاتبًا على صفحاتها الورقية أو بواباتها الإلكترونية، أو تكون كاتبًا من كتاب إصداراتها المتنوعة، وكل عام وأسرة هذه المؤسسة بخير وصحة وعافية.
والقارئ الكريم، وأنا واحد من قرائها، ننتظر المزيد من الإبداعات، ومزيدًا من التطوير الذي يصب أولًا وآخرًا في بناء الوعي عند المواطن، فنحن الآن نخوض معركة وعي شرسة، وفي اعتقادي أن خير من يقود هذا الخطاب التوعوي الأهرام؛ من خلال كتابها الأجلاء، وتلك مهمة شاقة كلفتم بها أيها الأبطال. فادعموا صفحاتكم ومواقعكم بالمبدعين من الشباب الصاعدين الواعدين مدعومين بخبرات الكبار من عمالقة الأهرام. 

إنها الأهرام، عقودًا من التنوير ولا تزال.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية