تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سؤال إلى السيد بلينكن
فى لقائه بنيامين نيتانياهو، قدم أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى نفسه كيهودى، عانى جده من الاضطهاد النازى، وكأنه أتى للاصطفاف مع بنى دينه ضد أعدائهم المسلمين، فهل يعنى ذلك أننا أمام صراع دينى يقترب مما كان صامويل هنتنجتون اعتبره، قبل ثلاثة عقود، صدام حضارات، تتمحور بدورها حول أديان؟.
يتناقض مع ما أومأ إليه بلينكن ليس فقط مع مثل الحداثة السياسية المفترض أن بلاده تأسست عليها، ومع القواعد القانونية التى تحكم العلاقات الدولية، بل أيضا مع تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى ذاته، والذى لا يعدو صداما جيوسياسيا بين الفلسطينيين العرب، والصهاينة من شتى أرجاء المعمورة، بين أهل تلك المنطقة من العالم وقاعدة عسكرية متقدمة زرعتها إمبراطورية استعمارية غاربة، وتولتها بالرعاية والتوظيف إمبراطورية أخرى تشرف شمسها على الغروب، وكلما راودتها هواجس الغروب ازداد توترها وراحت تصرخ: لا زلت قوية، بدليل حاملات طائراتى وبوارجى ومشاة بحريتى المحتشدة لمحاربة ذلك العدو القوى الماكر: غزة.
لا أدرى هل أدرك هنتنجتون قبل رحيله أن الحضارات لا تتحارب بل الدول؟ لكن يعنينى هنا والآن أن يدرك بلينكن أن الأديان لا تتحارب، بل يتحارب الناطقون باسمها، المتخفون وراءها، وأن اليهودية بالنسبة للصهيونية لا تزيد عن قناع زائف لها، وأن اليهود لم يكونوا بحاجة إلى دولة إسرائيل كى يعيشوا فى سلام وانسجام فى فلسطين مثلما عاشوا فى جغرافيا الحضارة العربية عبر التاريخ.
وأن اليهود التقليديين كانوا يعيشون بالفعل مع المسيحيين والمسلمين فى فلسطين، خصوصا القدس، عندما وصل الصهاينة الأوائل إليها. وأن وصولهم إليها كان أكثر إزعاجا لليهود من العرب، حيث جرى بينهما نوع من الإنكار المتبادل: فالصهاينة رأوا فى اليهود التقليديين مجرد بقايا حفرية من ماض تخطاه الزمن، ينتظرون غيبا (عودة المسيح) لن يأتى، ومحكوم عليهم بالاندثار. وفى المقابل نظر التقليديون إلى الصهاينة كهراطقة، يريدون استبدال الخلاص الإلهى بخلاص إنسانى، وينزلون العهد مع الله إلى مرتبة عقد سياسى كنظرائهم من العلمانيين الأوروبيين، متجاهلين أن العودة إلى الأرض مسألة روحية، إلى الله وليس إلى الدولة، كما استخلص أنبياؤهم الكبار، خصوصا إرميا، وأشعياء الثاني. ولذا فقد رفضوا طويلا المساهمة فى إنشاء الدولة. لكن، وبنشأتها وقع انشقاق كبير بين فريقين.
ـ الأول استمر على النهج المحافظ، الرافض لها والمعادى للصهيونية، ممثلا فى اليهود الأتقياء/ الحريديم (المرتعشون خوفا من الله).
ـ أما الثانى فالتحق بالحركة الصهيونية، بذريعة إصلاحها من داخلها، لكنه سرعان ما ذاب فيها مشكلا بالتدريج صهيونية دينية أسهمت بالتدريج مع نظيرتها العلمانية فى تشجيع الهجرة واستيطان الأرض وبناء المؤسسات، وفى الخدمة العسكرية، لكنهم حافظوا على نظام تعليمى منفصل عن المدارس الرسمية.
منذ السبعينيات، أخذت الصهيونية الدينية تتقدم؛ وأصبح الصراع السياسى حول مستقبل إسرائيل وعلاقاتها بالفلسطينيين يدور بين ثلاثة تيارات. أولها التيار الرئيسى ممثلا فى الصهيونية العلمانية. وثانيها الحريديم الذين يعيشون حياة تقليدية ويتبنون رؤى دينية شبه أسطورية للعالم. وثالثها الصهيونية الدينية، التى يخلط أربابها بين الدوافع السياسية للصهيونية العلمانية، والتصورات الأسطورية للكتاب المقدس، ليخرجوا لنا مركبا من أساطير مسلحة، تدعو إلى التوسع الاستيطانى، وضم القدس والهيمنة على الأقصى، معتقدين أن إنشاء جيش الدفاع والخدمة فيه من تشريعات التوراة الصحيحة، وأن كل حروب إسرائيل مقدسة، حيث أعلن الحاخام العسكرى الأسبق لإسرائيل موشيه جورن أن حرب 1948م كانت لتحرير أرض إسرائيل. وحرب 1956م كانت لاستمرار دولة إسرائيل. أما 1967م فكانت تحقيقا لنبوءات أنبياء إسرائيل.
ويبلغ الخلط بين الأسطورى والتاريخى ذروته فى توهم استمرارية التاريخ العسكرى اليهودى منذ أيام موسى ويشوع حتى الآن، حيث يجرى الحديث عن أعداء دولة إسرائيل باعتبارهم مصر وبابل، ويشار إلى اللبنانيين على أنهم فينيقيون. ومن ثم تصبح الطريقة المثلى فى التعامل مع الفلسطينيين لدى الحاخام الأشهر مائير كاهانا هى نفسها طريقة يشوع فى سفر التثنية: وإذا أدخلك الرب، إلهك الأرض التى أنت صائر إليها لترثها واستأصل أمما كثيرة.. فأبسلهم إبسالا (تثنية، 7: 1-2). فلا يقف أحد بين يديك حتى تفنيهم (7: 24). والتى تمثلها مناحم بيجين ومعه جنود الأرجون فى القضاء على سكان دير ياسين، من الرجال والنساء والأطفال عام 1948م. يصر أعضاء الـ (جوش إمونيم)، أى كتلة المؤمنين، أقدم تنظيم للصهيونية الدينية على أن فكرة شعب الله المختار تلغى سائر القوانين التى تحكم العلاقات بين الشعوب. ويرى الحاخام شلوو أفنيرى أن الوصايا الإلهية للشعب اليهودى تسمو على الأفكار الإنسانية. وأن خضوع سائر الأمم للقوانين المجردة الخاصة بالعدل والفضيلة لا ينطبق على اليهود لأن الله يتكلم معهم مباشرة. وقد اقترح معظم أتباع الحاخام كوك أن يسمح للفلسطينيين بالبقاء فى أرض إسرائيل فقط كمقيمين أجانب. كما اقترح آخرون الضغط عليهم كى يهاجروا (غاية الصراع الآن)، بل إن أقلية منهم اقترحت الحل النهائى، أى الإبادة، مستشهدين بالسابقة التى وردت فى التوراة عن العماليق الذين كانوا قوماً عتاة أمر الله بنى إسرائيل أن يذبحوهم دون رحمة، حتى إن الحاخام إسرائيل هس نشر فى 1980م مقالاً بعنوان الإبادة أمر توراتى قال فيه: إن الفلسطينيين بالنسبة لليهود كالظلام بالنسبة للنور، وأنهم يستحقون نفس مصير العماليق.
هكذا يصبح المنطق الأسطورى لسفر التكوين برنامجاً سياسياً حديثا للتطهير العرقى لدى اليهود الصهاينة، فيما تظل إسرائيل كلها لدى اليهود الأتقياء عملا ضد إرادة الله!
فمن الذى يمثل اليهودية برأى السيد بلينكن: اليهود العاديون الذين اقتحموا الكونجرس وهتفوا فى ساحته: لا تقتلوا باسمنا، أم الصهاينة الذين لم يشترط الرئيس بايدن أن يكونوا يهودا أصلا، معتبرا أنه واحد منهم؟.
salahmsalem@hotmail.com
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية