تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الحياة تبدأ بعد الستين
تزوجت وترملت.. خلّفت الصبيان والبنات.. أصبحت جدة.. انشغل الأبناء كل بحياته.. ابيض شعرها وبدأت خطوط الزمن تزحف على وجهها، بعد أن تعدت الستين من عمرها.. شعرت بأنها وصلت إلى خريف العمر.. اعتزلت الناس، وملّت الحياة.. كانت تقضى معظم وقتها تتابع أنباء الوفيات والمرضى والمآسى التى تحدث للآخرين!
شاخ كل شىء حولها، وشعرت بأنها غريبة فى هذه الدنيا، وأن العصر الذى تعيشه ليس عصرها، وأنه آن الأوان للرحيل.
الدنيا أصبحت مجهولة.. هى تسير إلى الخلف والمحيطون بها يسيرون إلى الأمام.. فكرت فى حالها وتحسرت على نفسها.. فجأة اكتشفت أنها هى الواقفة مكانها والناس من حولها ينطلقون.. هى الصامتة وهم يتكلمون، هى اليائسة وهم الحالمون!
قررت أن تبدأ الحياة من جديد.. لم تكن قد قامت بأى عمل طوال عمرها.. قضت كل حياتها فى كسل وخمول.. حتى أعمال المنزل، كان لديها دائمًا من يقوم بها بدلًا منها!،
الشتاء كانت تقضيه فى شرم الشيخ أو الأقصر وأسوان.. والصيف كانت تقسمه بين الساحل الشمالى والسفر إلى خارج البلاد.. كانت زوجة مرفّهة.. لم تصنع فنجانًا من القهوة لنفسها أو تشترى بنفسها طلبات المنزل.. كان لديها دائمًا من يحمل هذه الأعباء عنها.
نزلت أول مرة إلى سوق العمل، بدأت تعمل فى بيع قطع الأثاث النادرة، كسبت أحيانًا وخسرت أحيانًا أخرى.. شعرت بسعادة غريبة وهى تحصل لأول مرة فى حياتها على أموال من عملها وتعبها.. أموال لم ترثها من زوجها أو والدها.. بدا لها شكل النقود غريبًا مختلفًا عن النقود التى كان يتركها لها زوجها لتصرف على البيت.. أصبحت تخاف على النقود وتدرك قيمتها..
ذاقت حلاوة العمل ومتعة النجاح.. ضاعفت ساعات عملها، وانتقلت من بيع الأثاث الفاخر إلى بيع اللوحات الفنية.. تضاعف دخلها، وعشقت التعب والشقاء اللذيذ.. أصبحت تشترى العقارات وتبيعها وانهالت عليها الأرباح.. أصبحت تمضى وقتًا فى عملها أكثر من بيتها..
لم يعد لديها وقت لتفكر فى وحدتها، ولا فى الأمراض التى كانت قد بدأت تزحف إلى جسمها.. أولادها أنفسهم تعجبوا من التغيير الذى حدث فى شخصية والدتهم.. أصبحت مُقبلة على الحياة وسَهُل التعامل معها!
رفضت الكثير من الدعوات الاجتماعية والمآدب الفاخرة.. أصبحت تستمتع بالساندونشات التى تأكلها فى الشارع أكثر من طبق الكافيار فى فراشها الوثير.. أصبحت سيدة أعمال بمعنى الكلمة..
لها جدول أعمال للصفقات التى تعقدها ومواعيد محددة للعملاء.. لم يعد لديها وقت للنميمة ومعرفة أخبار الناس.. هى الآن أصغر بعشر سنوات.. أكثر شبابًا، أكثر حيوية، وأكثر أملًا!
الحياة يمكن أن تبدأ بعد الستين!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية