تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أنا صهيونى...إذن أنا عنصرى
لم أصدق نفسى عندما أعلن الرئيس الأمريكى بايدن فى المؤتمر الصحفى الذى عقد فى إسرائيل يوم 18 أكتوبر الماضى بأنه: ليس من المطلوب أن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا... ومن ثم فأنا صهيونى، You don’t have to be a Jew to be a Zionist…I'm a Zionist، دفعنى هذا التصريح إلى البحث عن مواقف الرئيس الأمريكى من القضية الفلسطينية ومن إسرائيل عبر مسيرته السياسية. فتبين لى بعد مراجعة دقيقة أنه ردد هذه المقولة بتعبيرات متنوعة فى مناسبات مختلفة على مدى العقود الأربعة الماضية. والأهم أن له مقولة لافتة تقول: إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لاخترعناها. وكان مصدر عجبى من تصريح بايدن وموقفه المتوحد بإسرائيل وبالانتماء للصهيونية ــ وهو الرجل المتمرس فى السياسة ــ هو أنه يتناقض مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الصادر فى نوفمبر 1975 الذى ينص على أن:الصهيونية هى شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري؛... وقد ناشد القرار المنظومة الدولية بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية لأنها تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين.
والأهم أن قرار الأسرة الدولية حول الصهيونية قد جاء بعد تبنى ما صدر عن اجتماع أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية فى أغسطس 1975 فى بيانها الختامى باعتبار الأنظمة الحاكمة فى فلسطين وزيمبابوى وجنوب إفريقيا ــ آنذاك ــ أنظمة عنصرية. إذ قال نصا: إن النظام العنصرى الحاكم فى فلسطين المحتلة والنظامين العنصریین الحاكمين فى زمبابوى وجنوب إفریقیا ترجع إلى أصل استعمارى مشترك، وتشكل كیانا كلیا، ولها هيكل عنصرى واحد وترتبط ارتباطا عضویا فی سياستها الرامية إلى إهدار كرامة الإنسان وحرمته.ومنذ ذلك التاريخ، أى قبل 50 سنة بالكمال والتمام، تم اعتبار الصهيونية أحد أكثر تجليات العنصرية عدوانية لأنها تستند إلى تفوق عنصرها العرقى على باقى الأعراق.
صحيح أن القرار قد تم إلغاؤه فى نهاية 1991 نتيجة انخراط إسرائيل فى عملية السلام من خلال مؤتمر مدريد. إلا أن أحد المعنيين بالقانون الدولى قد أفتى بأن الصهيونية تظل مدانة لثلاثة أسباب: أولا: لجوهر أفكارها العنصرية والاستعلائية والعدوانية بشكل عام. وثانيا:لأن السلوك الإسرائيلى الصهيونى/العنصرى حيال الفلسطينيين لم يتغير فى الواقع. وهو ما تثبته ممارسات الحكومة اليمينية المتشددة ــ كدولة احتلال ــ التى حكمت إسرائيل من 2009 إلى 2021، ومن نهاية 2022 إلى الآن قد سعت سعيا حثيثا ليس فقط للقضاء على القضية الفلسطينية ــ فيما بات يُعرف فى الأدبيات بتذويب أو تهميش القضية الفلسطينية ــ وإنما فى إزالة فلسطين من خلال شتى الهندسات: الطبوجرافية، والديموجرافية، والجيوسياسية وذلك من خلال سياسات: الضم، والتهجير، والتوسع فى بناء المستعمرات، والتطهير، والإبادة، والعمليات العسكرية التدميرية المتعاقبة فى 2012، و2014 و2019 و2022 و2023، والمطالبة باستخدام السلاح النووى (يشار هنا إلى أن هناك تقديرات بأن القصف الإسرائيلى على غزة يعادل ما ألقى على هيروشيما)...إذن إلغاء القرار لا يعنى شيئا. وهى كلها أسباب تؤكد أن إسرائيل لم تتخل ــ عمليا ويمكن مراجعة سلوكها فى الـ15سنة الماضية ليس فقط تجاه غزة وإنما الضفة أيضا ــ عن جوهرها الصهيونى ذى الطبيعة العنصرية الذى يستهدف القضاء على القضية الفلسطينية كليا؛ ومن ثم السيطرة التامة على كامل التراب الفلسطينى وتهويده بالكلية، ودفع الفلسطينيين إلى النزوح/اللجوء إلى أماكن خارج أرض فلسطين التاريخية وهو لب مخطط الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطانى منذ هرتزل...
الخلاصة، وحسب أحد الباحثين، أن السياسات العملية الإسرائيلية الثابتة والمضطردة خلال السنوات الأخيرة تقدم الدليل تلو الدليل على أنها تعكس الجوهر والماهية ــ كما يقولون فى الفلسفة ــ للدولة التى تم وضع ملامحها الأساسية فى المؤتمر الصهيونى ببازل سنة 1897 والتى تم إعلانها فى 1948. إنها تقوم على أعمدة لم تتغير منذ مجزرة دير ياسين وإلى يومنا هذا كما هو جار فى حرب الإبادة الراهنة فى غزة. دولة تقوم على الأعمدة التالية: الاستيطان، والتوسع، والعنصرية...
ونختم بكلمات الشاعر الفلسطينى المبدع الفلسطينى الكبير محمود درويش (1941 ــ 2008) فى يومياته: أثر الفراشة ــ 2007، التى استطاع من خلالها أن يصف السلوك الإسرائيلى الاستيطانى التوسعى والعنصرى ضد شعبه والذى حول الأراضى الفلسطينية إلى سجن، أو مقبرة حسب الأمين العام للأمم المتحدة فى تصريح له قبل أيام، والتى نستعيدها دوما كتابة وشفاهة:
أفعى معدنية ضخمة تلتف حولنا. تبتلع جدراننا الصغيرة الفاصلة بين غرفة النوم والحمام والمطبخ وغرفة الاستقبال.
أفعى لا تسعى بخط مستقيم لئلا تَتَشَبه بنظراتنا إلى أمام. تتلوى وترفع كابوسها المصنوع من فقرات إسمنت مُقوى بحديد مرن...
يُسهل عليها الحركة إلى ما تبقى لنا من فُتات جهات وأحواض نعناع.
أفعى تسعى لوضع بيضها بين زفيرنا والشهيق: لنقول مرة واحدة: نحن، من فرط ما نختنق، نحن الغرباء. ننظر فى مرايانا فلا نرى غير اقتراب الأفعى من أعناقنا.
لكننا، وبقليل من جهد الرؤية، نرى ما فوقها: نرى سماء تتثاءب ضجرا من مهندسين يسقفونها بالبنادق والبيارق. ونراها فى الليل تتلألأ بكواكب تحدق إلينا بحنان. ونرى أيضا ما خلف جدران الأفعى: نرى حُراس الجيتو خائفين مما نفعل خلف ما تبقى لنا من جدران صغيرة...نراهم يُزَيِتون أسلحتهم لقتل العنقاء التى ظنوها تختبئ عندنا،...فلا نملك إلا أن نضحك!...
إن تباهى بايدن بأنه صهيونى وهو رئيس الدولة التى من المفترض أنها راعية للسلام هو فى حقيقته دعوة لممارسة العنصرية ودعم للتوسع ومباركة للتهويد التام...
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية