تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لغتنا العربية ومخاطر الاغتراب!
فى يوم 18 ديسمبر الحالى، شوهد فى السوشيال ميديا هذا الفيديو. دخلت إحدى السيدات محلًا لبيع الملبوسات وطلبت فستانًا، فإذا بالبائعة ترميها بنظرة امتعاض يكاد يصل إلى الاحتقار.. وهمست: حضرتك يافندم تقصدين (دريس) أليس كذلك؟.. (دريس تعنى الثوب لكن بالإنجليزى.. وللعلم لا كلمة فستان ولا كلمة دريس من كلمات لغتنا العربية). العجيب فى الأمر أن يوم 18 ديسمبر هذا هو اليوم الذى اختارته الأمم المتحدة ليكون اليوم العالمى للغة العربية.. فأين لك اللغة الآن من ألسنة شبابنا وفتياتنا الذين يقولون على الثوب (دريس)؟
ما دلالة مشهد بائعة (الدريسات) هذا؟.. مغزاه يا عمنا ببساطة أن اللغة العربية الرصينة المنضبطة باتت حبيسة الكتب، ولم يعد لها وجود حقيقى فاعل وحيوى فى الحياة اليومية للعامة من الناس، الذين هم الغالبية. وبصراحة، إن ما نسمعه اليوم إنْ هو إلا مسخٌ لغوى، لا هو عربية فصحى، ولا إنجليزية حقيقية، ولا فرنسية باريسية أصيلة. إنه خليط بائس مشوه لا أب له ولا أم ولا عم ولا خال، وانظر إن شِئتَ إلى أسماء المحال عندنا، أو إلى اللغة التى (يتشايت) بها الشبيبة عندنا من الجنسين (يتشايت يعنى يتحاور).
هل فى الأمر مأساة ما؟.. نعم، ومأساة كبرى. إن اللغة تعبير عن الهوية، فإذا مُسِخت مسخت الهُوية، واللغة هى وعاء الفكر، وبالتالى فمن المفروض، ونحن نعيش فى بيئة عربية، أن نفكر من اليمين إلى الشِمال.. لا من الشمال إلى اليمين، كما هو حالنا اليوم.
لا ننكر أن قطاعًا عريضا من شبابنا أصبحوا يفكرون كما يفكر نظراؤهم فى الغرب. وما العيب فى ذلك؟ معناه يا سيد الناس أن ميزان القيم سوف يختل، إن لم يكن قد انهار أصلًا.. وإليك هذا المثال: هل احترام الابن لأبيه هو الآن كما كان فى الماضى؟ انظر إن أردت إلى نظرة البنت لأمها وهى تنصحها. إنها نظرة، لولا الحياء، لنطقت: ممكن تخرسى لو سمحتِ؟
ما تفسير ذلك؟.. تفسيره أن شبابنا بات بتطلع إلى استقلالية يعيشها شباب الغرب، وهى استقلالية تسربت إليهم من لغة الغرب، بعيدًا عن لغتهم هم. إنه ما يسميه علماء الاجتماع (الاغتراب). وبسبب الاغتراب اللغوى هذا سوف تتسع الفجوة بين الابن وأبيه ساعة بعد ساعة، وهى فجوة تصيب الأمهات والآباء بألم شديد، وذعر على أبنائهم أشد، وتسبب فى الوقت نفسه ارتباكًا وضياعا للأبناء لا قِبَل لهم به.. إذ أين سيجد الابن والابنة القدوة الخبيرة لو احتاجاها؟
وهناك مغزىً آخر لحدوتة البائعة والفستان. إنه فقد الانتماء. إن البائعة تؤمن يقينًا بأن الثوب ليس ثوبا بل هو دريس.. والثوب كلمة عربية لا تشعر بالانتماء لها، فما الذى يجعلها تنتمى فى قادم الأيام لأى كلمة تحمل معنى (أو قيمة!) عربيًا؟.. ومن ثم، فالقصة أكبر من (حِتة) فستان.
اسمع، بدون لف ودوران، وعلى بلاطة، هل نجحت اللغة العربية فى تطوير وتطويع نفسها لتواكب العصر؟ أين هى من لغة البحث العلمى، أو الذكاء الاصطناعى، أو تطبيقات التكنولوجيا المنتشرة من حولنا كالغبار؟ كيف أتعرض باللوم على فتى أو فتاة وكل ما حولهما بالإنجليزى؟ خذ عندك: موبايل، إنترنت، فيس بوك، ميسينجر، واتس آب، بيتزا/ همبرجر/ شيش كباب.. لأ والأكادة حتى التليفون والتليفزيون والكمبيوتر و(الدِّش).. كله بالإنجليزى.. ثم تحدثنى عن الانتماء.. يا عم قُل يا باسط..!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية