تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > سمير الشحات > كتابان.. والثالث « مجّانًا » !

كتابان.. والثالث « مجّانًا » !

هل غزا موبايلاتكم ذلك الإعلان العجيب المثير للشجن؟.. ذلك الإعلان الذى يكاد يستجديك لتشترى قائلًا: ٣ كتب + ٣ نوت بوك + ٣ بوك مارك بسعر ١٥٠ جنيهًا فقط؟ .. وهل استوقفك قولهم: الشحن مجانى، ولو لم يعجبك «الأوردر» يمكن إرجاعه، واسترداد «الفلوس» بعد ١٥ يومًا؟.

 

لابد وأن ألف معنى ومغزى وعِظة وعِبرة قد قفزت إلى ذهنك حينها فاستعمرته وأنت تشاهد الإعلان، ولا شك فى أنك تمتمت: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أو تلك هى نهاية مصيرك يا مسكين؟.. ولأن المساحة المتاحة للكتابة هنا لا تحتمل سرد كل العِبَر (التى تُكتَبُ بالإبَر على آماق البصر)، فإنه يمكن الاكتفاء بـ ٦ منها فقط:

العِبرة الأولى: أن الدوام لله عز وجل وحده، وأن البقية فى حياتك فى المأسوف على شبابه (المرحوم كتاب). يااااااه.. أين أيامك يا أيها العزيز الذى ذَلْ؟.. يا من كنا نتسابق مع كل صباح على شرائه، فنحتويه بالأيدى والأعين، وتكاد مِنّا دقات القلوب تُسمَعُ من ألف ميل؟.. أين لهاث الأنفاس المنبهرة ونحن نقلِّب صفحاتك بمنتهى الرِّقة، ونتلمسها، فكأننا نلمس راحة كف يد الحبيب؟.. إيييييه.. دنيا !

والعبرة الثانية، أنه لا شئ يبقى على حاله، وأن سُنّة الله فى كونه الفسيح هى التغيير، ومن ثم فيا أيها المُغتّر تمهل، ولنكن مستعدين من الآن فصاعدًا لشتّى الاحتمالات. وعلى سبيل المثال، لقد كنا فى الأيام الخوالى نتندر على تفاهة وهشاشة مأكولات كالعدس والفول وبقية البقوليات، وكنا ننظر إلى السكر بحسبانه بدهية من البدهيات، كالماء والملح والهواء.. فسبحان من له الدوام.. ولتتعظ يا ابن آدم.

والعبرة الثالثة، أن القيمة المضافة، كمصطلح اقتصادى، لم تعد تقتصر على الماديات فقط، وإنما باتت تمتد لتشمل المعنويات أيضا. إن كل شىء الآن يخضع لمنطق العرض والطلب والثمن، بما فى ذلك الكُتب والثقافة والآداب والفنون، بل صَدِّق أو لا تصدق، والأخلاق كذلك.. (واللى ما معهوش ما يلزموش)!

.. وأما العبرة الرابعة، فهى أن عليك ألا تضع البيض كله فى سلة واحدة، إذ لا أحد يضمن غدر الأيام. يعنى إيه؟.. يعنى يا باشا أننا كنا قديمًا نضع رهاننا كله فى سلة واحدة، وهى الكتاب، كرافد واحد وحيد نستمد منه الثقافة والوعى والعلوم والمعلومات. لا يا سيدنا، لقد تغيرت تلك القاعدة (بل لقد تهشّمت)، وها هو الكتاب قد مرمطوه، وسحلوه، فتراه - ياوِلداه - مرمِيًّا فوق الأرصفة، ولسان حاله ينعى، كما تنعى السواقى على اللى حظه قليل ( على رأى العملاق بيرم)!

اليوم قد أصبح للثقافة لدى غالبية شبابنا ألف أب وأب.. أهمهم على الإطلاق أغانى المهرجانات، وفيديوهات التيك توك، وإفّيهات ممثلى الموجة الجديدة فى كوميديا التهتهة، والتى تحمل شعار: ( اضحك يا عم ورزقى ورزقك على الله).

وفيما يتعلق بالعبرة الخامسة، فهى أنه ليس بالكلام القديم يحيا الإنسان، حيث لم يعد كل قديم صالحًا لهذا الزمان، وكم من قديم يخضع الآن للمراجعة، ولسوف يتغير حسبما تقتضى التكنولوجيا، وقوانين السرعة، والذكاء الاصطناعى.

تريد مِثالًا؟.. إليك المثال: عَمُّنا، وعمهم، وعم الشعراء جميعًا، أبو الطيب المتنبى، ألم يقل ذات يومٍ (وصدَّقناه): أعزُّ ما فى الدُنَى سَرجٌ سابِحٌ/ وخيرُ جليسٍ فى الزمان كتابُ؟.. هيا يا عم متنبى تعال زُرنا اليوم وقل لنا هل مازال بالدنيا لنا سرج حصان يسبح مع الريح لنركبه؟.. وهل مازال الكتاب خير جلسائنا؟.. يا شاعرنا المبجل إن جليسك المفضل نائم يغط بالأسواق، وينادون عليه: ٣ بجنيه يا كتاب!.

.. وتبقى العِبرة السادسة، وهى سؤال يتردد اليوم على ألسنة عموم الناس: هل صحيح ما سبق وقاله الزعيم عادل إمام بأن العلم لا يُكَيَّلُ بالباذنجان؟.. كيف والباذنجان اليوم بالشئ الفُلانى، وصار هو الأغلى؟.. عمومًا، وكما أن الأيام دُوَلٌ، فإن الأمل لن ينقطع فى أن للكتاب عودة نتمناها قريبة بإذن الله، حيث إن الكتاب، وكما كتب الأستاذ هيكل فى مقدمة كتابه كلام فى السياسة»، الصادر فى فبراير ٢٠٠٠، سيبقى - وكما كان على طول مسار الحضارة - هو مستودع الرؤى، ومخزون التجارب.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية