تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > سمير الشحات > فى «جدلية» الأكل والحياة..!

فى «جدلية» الأكل والحياة..!

لا ينكر، إلا ساذج أو مأفون، أن العقل البشرى، فى مصر، وفى غير مصر، يعانى حاليا فوضى عارمة هائجة مائجة لا سابق لها. هذه الفوضى ناتجة عن التناقض والتضارب فى المعلومات المتدفقة للعقل والوجدان كالسيل العَرِم.

فوضى هى كموج البحر تضرب فى كل اتجاه، وبمنتهى القسوة. نعم.. إن إنسان العصر الحديث الحالى فقد اتزانه، فبات يترنح ويتخبط، فليس يعرف رأسه من رِجليْه.. وأخطر ما أصيب به هذا الإنسان هى قضية «الأكْل». إن حضرة جنابك قد تكون نشأتَ وترعرعت على تصديق القول الشائع الموروث، بأننا إنما (نأكل لنعيش ولسنا نعيش لنأكل). هذا قول قد يتبناه فريق من الناس، لكن فريقًا آخر ربما يحلو له أن يعترض، فيصرخ قائلًا: بل نحن نعيش لنأكل، ولنأكل فقط، وما كل هرتلات الحياة من حولنا سوى محاولات للبحث عن الطعام.. فقط للبحث عن الطعام. هؤلاء قد يدللون على وجاهة رأيهم بأن حياة ووجود الكائنات كافة (بما فى ذلك الدودة فى قلب الحجر، والوحش فى البرِّية)، إنما تدور فى فلك ملء المعدة، ولا شىء غير ذلك.

عمومًا، ومع الاحترام التام لنظرة الامتعاض فى عينىّ سيادتك، ولغمغمتك الاعتراضية المكتومة فى الحنجرة، فإن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للبطن قضية، ولا يختلف اثنان على حتمية الأكل. البرهان على ذلك، أنك أنت شخصيا، إن أنت مَغَصَت معدتك جوعا، فسوف تهرول لاهثا باحثا عن الطعام، ناسيًا (اللى وراك واللى قدامك).

السؤال الوجودى إذن هو: كيف نتحصّل على سعادتنا الطعامية؟..

إليك هذه الوصفة سباعية البنود:

أولا: (اضبط أنفاسك). إن الأكل من قبل ومن بعد، هو رائحة، ولذلك فإنك كلما جلست إلى طعام تنفَّس من أنفك وليس بفمك كى تشُمَّ (تلك الرائحة). ولزيادة المتعة ليتك تهمس لنفسك بأسماء الأطعمة، فتقول مثلا: الله الله على الباذنجان، أو يالك من عدس لم أَذُقْ من قبل له مثيلًا، أو ياسيدى ياسيدى عليك يا صديقى الفول السابح فى الزبدة السائحة النائحة تتراقص فوق سطحك الأملس اللذيذ.. وهكذا .

ثانيا (ساعة واحدة لا تكفى). إننا للأسف الشديد، كلما هممنا بالأكل، ركبت رؤوسنا الشياطين فوسوست: (خلَّص يابا خِلصِت روحك)، فتتلاحق الأنفاس، وتتسابق الأيدى إلى الملاعق، فيكون لاحتكاك الملعقة بقاع الصحن صوت يقلق نوم التماسيح الهاجعة ببحيرة ناصر. اهدأ اهدأ يا عم الحاج، فيه إيه، مالك تأكل هكذا كمن يأكل فى آخر زادِه؟.. اسمع.. إن مدة جلوسك بالمائدة، أو على الطبلية، يجب ألا تقل عن ساعة، بل إن ساعةً واحدة لا تكفى. إيّاك إيّاك أن تصدق القول (الأهبل)، القائل: كُلْ أكْل الجِمال وانهض قبل الرجال)، فما هو إلا مَثَلٌ اخترعه جياع القبيلة لتبرير ندرة طعامهم.

 

ثالثا: (كُلّك ذوق). إن كنت لا تدرى، فإن رحلة الطعام، تبدأ من اللسان.. ويخطئ من يظن أن حكمة (لسانك حصانك) مقصود بها التعقل وأنت تتحدث. لا يا سيد الناس، إن المقصود الحقيقى هو، أن لسانك هو حصانك إلى تذوق الطعام. إن عليك أن تسمح للسانك بأن يلوك الطعام لَوْكًا متأنيّا، حتى تتذوق، فتتلذذ، فتستمتع. (على فكرة، يلوك يعنى يمضغ)!

رابعا (كُلْ على جُوعَة). إن من الأخطاء الشائعة، أنه إذا ارتفع ثمن الطعام زادت جودته، وتضاعفت طعامته، وهذا غير صحيح بالمرَّة، والصحيح هو، أنك كلما أكلتَ وأنت جائع، رَقَصَت معدتك طربًا.. إذ لا تستطيع المعدة، وهى جائعة، التمييز بين لحم بطن فخذة (لا مؤاخذة) العِجل، ولحم بطن خيارة صابحة قطفوها من الحقل تَوًّا.

خامسا: (امضغ بالراحة). إن من الحقائق المعروفة عن المواطِن اليابانى، أنه إن مَضَغَ، يمضع اللقمة ٣١ مضغة، أو يزيد، ولذلك أقاموا هناك حضارة تتحدث بها الرُكبان. المضغ البطىء يجعلك تهرس الطعام فى فمك هرسًا، وتطحنه طحنا، فإذا تزحلق نحو البلعوم، ألقاه البلعوم إلى المرىء، الذى يسلمه للمعدة تسليم مفتاح، فيسهل هضمه، ولتذهب حضرتك مرتاحا سعيدا إلى بيت الراحة، حيث لا راحةَ إلا فى بيت الراحة.

سادسا (الطهارة الطهارة). إن من المهم جدا، قبل بدئك ملحمة طحنك المقدسة، أن تُطهِّر نفسك، فتغسل يديك بالماء والصابون جيدا، وليتك تتمضمض، وحبذا لو أنك ملَأتَ نغاشيشك بالماء، ثم طردت الماء الممتلئ بذرات الأتربة. لماذا؟.. لأن الزمن زمن غبار وسخام وهِباب أسود.. فلا تذهبَّنَ إلى مائدتك وأنت (بهِبابِك).. وليت الطهارة تمتد إلى الفلوس التى نشترى بها طعامنا (ما استطعنا إلى ذلك سبيلا)..!

سابعا: (لقمة صغيرة تمنع بلاوى كثيرة). إن أحدث نظريات العلم والعلماء، تشير إلى أنه بقدر تصغير حجم اللقمة فى تجويف فمك، بقدر ما تنخفض فرص التعرض للسِمنة، وتقِل الأمراض، وتنتعش الروح.

هيا هيا إلى طعامك، بقلب سليم، ونِيّة صافية، وبالهناء والشِفاء.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية