تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
عواقب الخروج عن النَّص!
من أمتع وأذكى مشاهد مسرحية مدرسة المشاغبين، وأكثرها ألمعية، سؤال سعيد صالح لمُعلمته: فين السؤال؟.. فترُد سهير البابلى، بعصبيتها المُحببة: ما هو المنطق يا مرسى؟..فيسأل هو من جديد: وهل نحن عندنا حاجة فى المنهج اسمها المنطق؟. أغلب الظن أن كاتب المسرحية، الراحل الحِرفجى الذكى، على سالم، لم يكن يتحدث عن منهج المنطق فى تالتة ثانوى أدبى، بل ربما، (..ونقول ربما !)، كان يقصد المنطق بمعناه الشامل العام فى حياتنا كلها.
إننا لو كنا فى غالبيتنا نبهاء لبيبين، بالإشارة نفهم، ونجيبها وهى طايرة، (على فكرة، إن لو هو حرف امتناع لامتناع!)، للاحظنا أن كل ما يثير الضحك، فى إنتاجنا الفنى حاليا، ليس (النَّص)، وإنما الخروج عن النص.
إن الارتجال اللحظى، بدون تجهيز، أو كما يقول اللغويون "عفو الخاطر"، صار هو السائد، فى أغانينا، ومسرحنا، وسينمانا، وانظر إن شئت إلى المقاطع التى على يوتيوبك، من المسرحيات والأغانى والأفلام. لقد بات خروج الممثلين عن النص هو الأصل، فيما النص الأصلى يتم تهميشه (هذا إن كان هناك نص أصلا!).
إنك، وبكل راحة ضمير، يمكنك قول الشىء نفسه عن كثير من برامجنا التليفزيونية، التى يعتمد فيها مقدم البرنامج على ثقافته هو الخاصة، واجتهاداته الشخصية، ووجهات نظره فى الدنيا، والناس، والحياة. إنه يخرج عن النص الذى كتبه له المُعِد، ويخاطب الجمهور مباشرة، ويتحدث من عندياته هو.
صدق أو لا تصدق، إن ما يصدق على المسرح والسينما والأغانى يصدق على الثقافة، سواءً بمعناها الحصرى (كالآداب والفنون)، أو بمعناها الأعمق (أى عموم الأفكار والرؤى والتصورات)، التى يتشكل منها قوام الوعى بالمجتمع، التى عشنا عليها نحن وآباؤنا وأجدادنا لمئات السنين.
وقد يحسب البعض أن هذه هى حالنا، وحدنا نحن المصريين والعرب، فماذا لو تناولنا حبوب الشجاعة فقلنا إن تلك هى حال العالم كله، بل والإنسانية جمعاء الآن.. وقل إن شئت كيف تتعامل البشرية حاليا مع قضية تغيرات المناخ. إن النص العلمى الرصين يؤكد أن استمرار البشرية فى بصق انبعاثات الكربون إلى الغلاف الجوى للأرض، وتسخينه، قد يؤدى إلى زوال الحياة فى هذه الأرض، فهل التزم السادة أصحاب المصانع والمطامع والبيزنس بهذا النص العلمى، أم إنهم مستمرون فى الخروج عن النص؟.
وبناءً عليه، كيف تطلب من إنسان، مصريًا كان أو عربيًّا، أو فى بلاد واق الواق، أن يفكر بمنطقية وعقلانية ورشادة، كما تريد الأستاذة عفت فى المشاغبين؟ كيف يتمنطق وهو يرى المظالم، والحروب، والأزمات، واحتكار القلة من أثرياء الأرض بكل خير الأرض، بينما يتنفس هو جوعا وحرمانا وفقرا وألمًا، هو وعياله؟.. هل هذا هو المنطق (يا متعلمين يا بتوع المدارس)؟
مشكلة الخروج عن النص، سواء على المسرح، أو فى الحياة.. التى ما هى إلا مسرحٌ كبير، تتمثل فى ثلاثة أوجه، أولها أن هذا الخروج يسرق منا بهجة الحياة. صحيح أنك تغرق فى الضحك حتى الاستلقاء على القفا، وأنت بالمسرح، لكنك بعد خروجك تكتشف أن الحياة هى هى كما هى، فتعود إلى كآبتك، بل وزيادة، إذ المشكلات الحقيقية لم تُحل.. وما تلك القهقهة إلا مخدر كبير.
ستجادل كعادتك قائلا: لكننا لا نضحك إلا لسويعات قليلة. آى نعم.. وهنا يأتى الوجه الثانى للمأساة الملهاة. مأساة الخروج عن النص: وهو أن ثَمّةَ احتمالا ألا ينتهى ذاك العبث المسرحى والثقافى والبرامجى، بمجرد إضاءة أضواء المسرح، وإنما سنأخذ العبث معنا إلى البيت، بل وإلى الفراش، فإذا به تحول إلى وعى كاذب مخادع، يشل حركتنا، ويثبط عزائمنا، ويحد قدرتنا على التفكير السليم. إن العبث طلع أو نزل يظل عبثا، ولا يعالج داءً، أو يبنى حضارة.
ثم يبقى الوجه الثالث لمخاطر الخروج عن النص، وهو أن النص (أى نص)، هو ضمانة أى تقدم. وأساس النجاح، بينما الخروج عليه هو بداية الفشل ( كل الفشل)..لماذا؟ لأن النص أعدَّه وكتبه خبراء متخصصون فاهمون .. أفنوا أعمارهم فى دراسة أسراره، أما الخروج عليه فما هو إلا شُغل هواة عشوائيين سطحيين.. ولا يمكن للهواة أن يفوزوا بمباراة يلعبونها ضد محترفين حريفين.. وما أكثر المحترفين فى هذا العالم.. !.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية