تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أوهام «بيكون» الأربعة..!

انظر إلى كف يدك اليسرى الآن، ألا تراها ترتعش؟.. أليس ثَمّةَ رجفة خفيفة غير ملحوظة بالأصابع؟.. تلك يا أستاذنا هى رجفة الخوف اللاشعورى القابع فى الأودية السحيقة بأعماقك. ستجادل كعادتك قائلًا: رعشة إيه؟.. حسنًا، حاول مرة أخرى ولسوف تراها!.

 

يا باشا، إنه زمن الخوف، أو ما اصطلح الفلاسفة على تسميته بعصر القلق.. فهل القلق إلا المرآة الحقيقية للخوف الكبير الساكن فينا ليل نهار؟..أنت «قلقان» لأنك خائف، إما من المستقبل، أو من ضياع الوظيفة، أو على العيال، أو على صحتك، أو من الترقب الدائم لأسعار السلع والخدمات.أغلب الظن أن عتريس السينما المصرية، محمود مرسى، عندما أطلق صيحته الخالدة فى وجه الدهاشنة، (شىء من الخوف ما يضُرِّش)، كانت الصيحة فى السيناريو الأصلى هى (كل الخوف ما يضُرِّش)، لكن الرقابة خففتها إلى (شىء من الخوف)، وليس (كل الخوف)، رحمة بالمشاهدين فى صالات عرض الفيلم، حتى لا تصطك أسنانهم، وينسال من بين أرجلهم، ومن تحتهم، الماء الساخن!.

عمومًا، وبعيدًا عن عتريس، وفؤادة، وحسين كمال، والأبنودى، وبليغ، وفتح الهويس، فإن الخوف علينا حق، شِئت حضرتك أم أبَيْت.. وإن حدث، وحتمًا سيحدث، ووجدت نفسك متلبِسًا بالخوف، فلا تجزع، واعلم أنك فى الخوف (لست وحدك).. فكل البشر الآن خائفون، إذ الخوف هو آفة هذا العصر بامتياز، واعلم أيضًا أن خوفنا إنما هو آت من الوهم، فما الوهم إلا الأب الشرعى لكل المخاوف.

كان ياما كان، فى سالف العصر والأوان، وتحديدًا فى القرن السابع عشر، فيلسوف إنجليزى، اسمه فرنسيس بيكون. قال هذا الفيلسوف إن الإنسان المعاصر هو ابن الوهم، وإن الأوهام أربعة، هى أوهام الكهف، والسوق، والمسرح، والقبيلة. فأمّا وهم الكهف، فهو أن سيادتك تحكم على الأشياء المحيطة بك من داخل كهفك الخاص أنت، وبالتالى تظل محبوسا فى أفكارك أنت، رافضًا أفكار الآخرين، وستعيش فى عزلة مرعبة مخيفة.

وبالنسبة لوهم السوق، فإن حياتنا هى سوق يتم فيه تبادل الكلمات والألفاظ والمعانى، وطبعًا سيادتك تعتقد أنك وحدك من لابد أن يحتكر كل الالفاظ والمعانى، فلا تتبادلها مع الآخرين، وهنالك ستنعزل، وتعيش فى سجن سوقك أنت الخاص، والذى سيكون سجنا مخيفا مرعبا.

وفيما يتعلق بوهم المسرح، فمعناه أنك تعيش فى أفكار الماضى التى صنعها الأقدمون، ومن ثم فأنت لست سوى ممثل على مسرح وهمى مخيف، تؤدى دورا ليس دورك.

ويبقى الوهم الرابع، وهو أن القبيلة التى تنتمى إليها (أيًّا كان اسمها، أو مكانها، أو زمانها)، هى التى تحدد لك ماذا تفعل وكيف تفعل، فتصبح خائفا مرتعبًا، سجين قبيلتك ومحرّماتها.. (وهو ما يسمى التابوه).

ويمكن للعبد لله، إضافة وهم خامس، هو وهم الرقمنة، أو وهم كارت الذاكرة، ومعناه أن هناك خوفًا إضافيا، جسيما فرضه علينا عصر الأرقام، حيث بات مطلوبا منا حفظ أرقام لا حصر لها، كالرقم السرى لحساب البنك، أو رقم فتح الموبايل، أو رقم فتح راوتر الإنترنت... وغيرها، وهكذا ننام تطاردنا كوابيس الأرقام، وكأن الذاكرة تنقصها كوابيس جديدة.

ماذا نفعل لمواجهة هذه الأوهام والمخاوف؟.. هناك أربع وسائل: أولا، لا تكابر واعترف بأنك خائف ولا تخجل، فالاعتراف بداية سكة الخلاص. وثانيا، افهم أوهامك وادرسها وفنِّدها وحللها لعناصرها الأولية، فستجد أن الكثير منها ليس سوى أشباح. وثالثا، عليك بالإلهاء، يعنى تملص من وهم الخوف بمشاهدة التليفزيون والمباريات والأفلام مثلا، أو بممارسة المشى، أو بالجلوس إلى الأهل والصحاب.. وهكذا تضحك على أوهامك. ورابعا، هناك وسيلة متاحة لمن استطاع إليها سبيلا، وهى (الإيمان). إن لنبى الرحمة، عليه أفضل الصلاة والسلام، حديثًا شريفًا يقول: من خاف اللهَ تعالى، أخاف اللهُ منه كل شىء، وأما من لم يَخَف الله، فإن الله يخيفه من كل شىء. وقانا ووقاكم خالق الأكوان سبحانه كل الخوف.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية