تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الطابور وسيكولوجية الحب!
جاء فى الأثر، أن واحدًا بلدياتنا، رأى طابورًا ممتدًا، فوقف فيه، فلما سأل: لماذا هذا الطابور، قيل له: والله لا نعرف، وقف الواقفون فوقفنا.. ذهب إلى أول شخص بالصف فسأله عن سبب وقوفه.. أجاب: أبدًا، دارت رأسى قليلًا فمِلتُ على الجدار أستريح، فلما نظرت خلفى، ووجدت الطابور، والخلق ورائى، عَزّ علىِّ الانصراف، إذ دائمًا ما يكون وراء الطوابير خيرٌ عميم.
ثقافة عشق الطوابير، تلك المتأصلة فينا، لها ميراث جليل من التجارب والخبرات المتراكمة، بل والمآسى، استقر فى وجداننا الجمعى عبر آلاف السنين. ولعل أول مكونات هذه الثقافة، أننا شعب نحب العيش معًا، فى لَمَّة، فلا يستغنى الواحد منا عن الآخر. هذه العشائرية الأسرية البطريركية مصدرها طبيعة المجتمع الزراعى، حيث إن الفلاح، دون تعاون أفراد أسرته معه، يدًا بيد فى الحقل، لا يمكنه أن يزرع أو أن يحصد. الطابور هو أحد تجليات ومظاهر الجماعية التى تحتمها طبيعة العمل.
ثم إن الطابور يعنى النظام. وحسب موسوعة ويكيبيديا، فإن كلمة طابور (وتُنطق بالطاء أو التاء)، أصلها تركى، ومعناها صف الجنود الذين يقفون فى صف، منتبهين تمامًا فى انتظار أوامر قائدهم .. وطبعا يعرف كل لبيب أننا نحن المصريين تاريخيًا أكثر شعوب الأرض احترامًا لقائد الكتيبة، والتزامًا بالأوامر، منذ أجدادنا الفراعين.. ولهذا نجحنا فى إبداع حضارة فذة لم يسبقنا إليها أحد.
نعم قد يحدث أحيانًا ( بل نادرًا) أن يشِذَّ أحمق، أو أحمقان، فيخرج عن الطابور، ويشق الصف، وساعتها سيكون نهاره أسود من قرن الخرّوب، وليله أطينُ من الطين!
.. والطابور يعنى الطاعة، وبالتأكيد فإنه من غير الطاعة الكاملة، والخضوع التام، سيكون الموت الزؤام، وستضيع الأمة.. وقد ضاعت بالفعل من حولنا أمم لأنها لم تُطِعْ.. ولَكَ أن تتخيل كيف كان يمكن بناء الأهرامات، أو حفر القناة، أو السيطرة على جبروت ووحشية فيضان النيل، ما لم يُبْدِ المصريون الطاعة التامة فى تنفيذ أوامر الإدارة التى أصدرت لهم أوامر العمل.
لقد أدرك المصرى القديم، بفطرته السليمة، ونِيّتِه الطيبة، وغريزته النقية، أنه دون الطاعة، سوف يضِلُّ ويشقى.. وهكذا سكنت الطاعة دماءنا والحشايا، وعششت فى تلافيف الروح والقلب، وترجمها السلوك.. وبات فى التمرد عليها وعصيانها شقاؤنا الذى ما بعده شقاء.
الطابور بالتالى، هو النظام، والالتزام، والطاعة، وجماعية العمل والأداء، وانظر إن شِئتَ إلينا ونحن نشتل الأرز فى الغيط، أو ونحن نجمع الدودة واللُطَع!، أو ونحن نجنى القطن، ألَسْتَ ترانا نصطف فى طوابير، متنبهين متيقظين متحفزين لأى لسعة خيزرانة تنهال على الظهر، أو لأى كف معربد، من الخولى ذى العينين كعينى الصقر؟.
صَدّق أو لاتصدق، إن سيكولوجية الطوابير هى سيكولوجية الحب. كيف يعنى؟.. ما هو الحب؟.. أليس هو الرحمة، والمودة، والعِشرة، والسكن، والمصير المشترك، والتعايش السلمى؟.. إن الطابور هو كل ذلك وأكثر. هل يمكنك الإحساس بالدفء وأنت تسير وحدك، فى سجن العمر، بلا طابور؟.. ألم يقل أجدادنا الأولون: ( حُط راسك بين الروس ثم ادعُ عليها بالقطع)؟.. هل ثَمّة ذكاء كهذا الذكاء.. أن تتمنى الفَنَاء للآخرين مادُمْتَ فيهم؟..
وعمومًا فقد سبق وقالها عبدالوهاب من قبل: (كان عهدى عهدك فى الهوى/ يا نعيش سوا يا نموت سوا). إنها سيكولوجية الحب فى أجمل معانيها.. أن نعيش فى الطابور سوا... أو أن نموت سوا!.
إن الطابور باختصار هو الحياة، فالتزم بالطابور يا أستاذ.. واخزِ الشيطان!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية