تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > سفير. حسين هريدي > ثورة 23 يوليو والسياسة الخارجية المصرية

ثورة 23 يوليو والسياسة الخارجية المصرية

خرجت ثورة 23 يوليو 1952 من رحم الحركة الوطنية المصرية التي انطلقت من الثورة العرابية الكبري في 1881، وانعكس ذلك علي جوهر السياسة الخارجية المصرية بعد 23 يوليوً 1952 بالتركيز علي انهاء الاحتلال البريطاني ورفض سياسة الأحلاف التي شاءت الولايات المتحدة وبريطانيا فرضها علي مصر . وتزامنت الثورة مع احتدامً الصراع الدولي بين الكتلة الغربيةً بقيادةً الولايات المتحدة وإنشاء حلف شمال الاطلنطي في أبريل 1949 من جانب والكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي وقيام حلف وارسوً الذي ضمً كافة دول أوروبا الشرقية آنذاك من جانب آخر. وصاحب ذلك صراعا ايديولوجيا شرسا بين النظم الشيوعية والقوي الرأسمالية.

جاءت ثورة يوليو بعد أربع سنوات من قيام إسرائيل، وتركت حرب فلسطين بصماتها علي تفكير قيادات الثورة، إلا أن القضية الفلسطينيةً في بدايات الثورة لم تتعدى كونها قضية لاجئين، وكان الموقف المصري في هذا الصدد يتسق تماما مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 الذي دعا إلى تسويتها في اطار اما العودة إلي الأراضي التي طرد منها الفلسطينيون عنوة وقسرا في 1948 او التعويض. ولم تكن الثورةً تفكر او تعمل علي الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وليس صحيحا من الناحية التاريخية ان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طالب طوال فترة حكمه بإلقاء إسرائيل في البحر، لكن حكومة الثورة عملت علي انشاء جيش قوي قادر علي الدفاع عن مصر في مواجهة إسرائيل. وفي هذا الصدد اتجهت مصر في بدايات الثورة 1953 إلي الولايات المتحدة لاستيراد الأسلحة والعتاد اللازمة لإعداد جيش قوي، لكن رفض الجانب الأمريكي ذلك، في الوقت الذي كانت إسرائيل تحصل علي كل ماتطلبهً من اسلحة من فرنسا. واضطرت مصر علي ضوء ذلك للجوء إلي الاتحاد السوفيتي في سعيها المشروع لإقامة جيش قوي، وجاءت ما يعرف بصفقة الاسلحة التشيكية في سبتمبر 1955 في هذا السياق، ومثلت في حينها نقطة تحول رئيسية في السياسة الخارجية للثورة، اكدت استقلالية القرار المصري، وتوجه مصر الي الانفصال عن الغرب للدفاع عن مصالحها، وقيادتها مع الهند ويوغسلافيا سابقا والصينً في تدشين حركة عدم الانحياز في مؤتمر باندونج بإندونيسيا في أبريل 1955. وعند تناولنا لموضوع السياسة الخارجية المصرية لثورة يوليو، المؤكد ان الفترة الممتدة من أبريل 1955 وحتي يوليوً1956 ، تاريخ تأميم قناة السويس في 26 يوليو من هذا العام تعد الفترةً التأسيسية للسياسة الخارجية للثورةً، فمن الالتزام بسياسة عدم الانحياز والحياد الايجابي، والعمل بإصرار علي تأسيس جيش قوي عملا بمبدأ اساسي من مبادئ الثورةً الستةً، والدخول في مواجهة وصدام مع المصالح الاقتصاديةً الغربية، مع الوقوف الي جانب حركات التحرر الوطنية وترسيخ الفكر الوحدوي والقومي العربي، وكون مصر الثورة أول دولة عربية وإفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية في عام 1955 ، كل هذه التوجهات مجتمعة أوجدت حالة خصومة، وفي بعض الحالات عداوة (العدوان الثلاثي في أكتوبر 56 وعدوان يونيو 67) بين مصر والغرب وعلي رأسه الولايات المتحدةً . وكانت السياسات الأمريكية تجاه مصر تعتمد علي ممارسةً كافة أنواع الضغوط علي صناع القرار المصري سواء بطريقة ًمباشرةً كالتهديد بقطع المعونات الاقتصاديةً ثم قطعها، أو بصفة غير مباشرة عن طريق تشكيل تحالفات وتكتلات عربية وإقليمية في مواجهة مصر . لكن الأمر الأخطر في السياسات الامريكية الرامية إلي احتواء مصر الثورة هوً تسليح إسرائيل وتزويدها بأحدث الأسلحة عملا بالإعلان الثلاثي الأمريكي - البريطاني - الفرنسي في أبريل 1950 القاضي بضمان التفوق العسكري لإسرائيل علي كافة الجيوش العربية مجتمعة، وهو الأمر الذي رفضته وقاومته ثورة يوليو، ومازالت تعمل علي مواجهته دفاعا عن السيادة ووحدة التراب الوطني المصري .

والجدير بالذكر ان السياسة الخارجية لثورة يوليو لم تكن سياسة استاتيكية، أي غير مرنة في تعاملها مع التطورات والاحداث الدولية، لكنها تفاعلت معها في اطار تمسكها بمجموعة من المبادئ الأساسية سواء المستلهمة من الحركة الوطنية المصرية كرفض وجود قواعد أجنبية في الأراضي المصرية أو الدخول في أحلاف أجنبية، وً مبادئ التعايش السلمي كما كرستها حركة عدم الانحياز كرفض التدخل في الشئون الداخلية للدول، أو التهديد باستخدام القوة في تسوية المنازعات الدولية، واحترام الوحدة الاقليمية للدول كافة، والالتزام بميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي .

وفي كل الأحوال وعلي مدار السبعة عقود من عمر ثورة يوليوً ظلت القضية الفلسطينية هي القضية التي تتمحور حولها السياسة الخارجية المصرية لأنها تمس الأمن القومي المصري اساسا قبل ان تكون وبحق استرداد الحقوق الوطنية المسلوبة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وفقا لقرارات الأمم المتحدة .

وبالرغم من التطورات الجذرية التي طرأت علي النظام الدولي الذي انبثق عن الحرب العالمية الثانية والذي أثر بدرجات متفاوتة علي السياسة الخارجية المصرية في مراحل تاريخية فاصلة، إلا ان مصر واجهت كافة الضغوط التي مورست عليها - ومازالت - منذ قيام ثورة يوليو حتي اليوم دون ان تتخلي عن المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية، وخصوصا في التعامل مع القوي العظمي، وهذا في حد ذاته من التحديات الرئيسية التي تعاملت معها مصر الثورة من موقع العزة والكرامة الوطنية واستقلالية القرار الوطني المصرى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية