تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حكاية أولاد «الكار»!!
يقولون «أهل مكة أدرى بشعابها»، وقالوا فى الامثال وفى منولوج قديم لثريا حلمى «إدى العيش لخبازه» بما يشى ضمنيا أن لكل مكان ولكل صنعة وحرفة اسرارها؛ الأدرى بها والأقدر على حل معضلاتها، أربابها.
وإذا كانت بعض الصناعات والحرف قد اندثرت ولم يبق من آثارها سوى حكايات فى كتب التاريخ أو قطع متخفية متناثرة هنا وهناك، تذكرنا بما مضي؛ فما يزال البعض الآخر يلبى حاجة مطلوبة للناس ولبقاء المجتمع، مع بعض التغيير نتيجة للتطور ولتغير طبيعة وعادات البشر.
ورغم أن التطور والتغير سنة الحياة وأنه فى مجمله سمة محمودة، إلا أن بعض المتغيرات التى لحقت ببعض المهن ـ ومنها تحديدا الإعلام- باتت تهدد المهنة وأصولها والحاجة التى تلبيها للمجتمع. بمعنى اوضح «بات كار» الاعلام فى خطر نتيجة تجاهل وتناسى أسسه وأخلاقياته، بعد أن بات مستباحا لكل من لا مهنة له أو «صنعة»!!
و«ولاد الكار» تعبير دارج؛ من المؤكد أنك سمعته عزيزى القارئ إذا كنت من هواة الأفلام «الأبيض والأسود» أو من عشاق «ألف ليلة وليلة»، وقراءة الكتب التراثية أو الكتب التى حاول كتابها التأريخ الاجتماعى لمصر.
\فإذا كنت عزيزى القارئ لا تنتمى لأى فئة سبق ذكرها؛ فكلمة «الكار» لا علاقة لها بالكلمة الإنجليزية التى تعنى سيارة أو مركبة. ففى معجم المعانى المجمعة كلمة «كار» تعنى حرفة وصنعة، ولعل الارتباط الوحيد بينها وبين أدوات النقل والحركة بسرعة فعل «كر»، أى جرى وكلمة «مكاري» التى كنت تُطلق على سائقى العربات «الكارو» فى سالف العصر والأوان..
فإذا ما عدنا لأصل الكلمة وعلاقتها بأحوال أصحاب «الكار» الواحد أو «أرباب الكارات»، كما يطلق عليهم المعجم، وحال أولاد كار الاعلام وما صاروا إليه سنجد العجب العجاب!
وكان يا ما كان، لكل صنعة أو حرفة كبير أو معلم له صبيان يدربهم ويعلمهم سر «الصنعة» ويلقنهم حبها والفخر بما تشكله أناملهم بأدواتهم البدائية البسيطة ويلقنهم دروسا فى الصبر والمثابرة والدقة والإتقان ولو كان عملهم يقتصر على إعداد الخامات للأسطوات ومن ارتقوا فى مراتب الحرفة ولم يمنحهم بعد أرباب الحرفة صك الاعتراف بحق مزاولتها والاستقلال عن معلمهم الكبير، فكان من بينهم البنا والفنان الذى شيد معمارا والنساج و..و,,.. و»المنادي» الذى كان يؤدى طبقا لأصول «الصنعة» نفس مهمة الصحفى والمذيع ومعد البرامج الآن ؛ الذين بتنا نختزل تخصصهم ومهارتهم وحرفتهم اليوم تحت مسمى واحد هو إعلامي؛ ولو لم يعرف النطق الصحيح للكلمة أو يتعلم أى من أسرارها ومهاراتها على يد أساتذتها، ناهيك عن الهدف منها !!
ففى عصر باتت فيه البيئة الإعلامية ومجتمع الوسائط المتعددة الوسيلة الأساسية لتقديم المعلومات والمعرفة واصبحت منصات الاتصال توفر نوعًا جديدًا من الإنتاج الإعلامى والمجتمعى، يشارك فيه المواطن لإنتاج وتوزيع نوع جديد من المعلومات والمعرفة، انتهزت فئة غير مؤهلة الفرصة لتعتلى منصات اعلامية يصولون ويجولون فيها كما يشاءون، ملقين على رؤوس من أتعسهم الحظ بالدخول لتلك المنصات ولو بالخطأ، بذاءة ورؤى ضحلة ساذجة؛ لم تعد تنذر فقط بتفريغ رسالة مهنة الاعلام من مضمونها وانتشار سلبياتها لتطغى على فوائدها، بل ايضا تهدد منظومة القيم المجتمعية وتغيب وتسطح تدريجيا وعى المشاهد أيا ما كنت فئته العمرية!!
ورغم أن مجتمع الوسائط له قواعد وقوانين من المفترض انها تحكمه، إلا أنه يبدو أنها ستظل فترة ليست بالقصيرة مجرد حبر على ورق أو خوارزميات على شاشة غير مفعلة!!
وحيث إن فكرة المنع والحذف لم تعد مقبولة أو مطروحة، ناهيك عن شبه استحالتها فى عالم اليوم، فليس أمامنا من سبيل إلا العودة لإعداد وتأهيل من يريد أن ينتمى لكار الاعلام أو أن يلحق باسمه صفة إعلامى، والعمل الموسع على كل المستويات لمحو الأمية الإعلامية بين فئات المجتمع المختلفة (ولهذا حديث آخر) لنعرف ونتعلم كيف تعيد بناء الواقع والمعنى..
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية