تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ثقافة حق الطريق..
للشوارع حواديت، وبتعبير الشاعر الكبير صلاح جاهين «الشوارع حواديت..حوداية الحب فيها ، وحوداية…عفاريت»!!، وبقدر ما تحكى الطرقات عن نفسها وتاريخها، تحفظ حكاوينا وذكريات صغرت أم كبرت؛ تظل نثارا لحكايات بشر وزمن. وهذه واحدة لحوداية فيها عفاريت ولكن من بنى الإنس!!..
من وراء غلالة من دموع كافحت كى لا تفر من عينى أمام مارة تجمعوا ليساعدونى للوقوف والابتعاد عن نهر طريق تنهبه السيارات مسرعة لتتفادى مرتفعات ومنخفضات وحفر صنعها الإهمال واستسهال الكسب الحرام وسلوكيات عشوائية تناسينا فيها، رغم كثرة التسبيح باللسان والصلاة على النبى وترصيع الواجهات بآيات قرآنية، أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان ..
فيما كنت أنفض التراب عن سروالى وأتأكد من قدرتى على الوقوف على قَدمًيٍ بعد سقطة عبثية سببها بروز حديدى مدبب ثبته صاحبه أسفل الرصيف ليحتجز لسيارته مكانا، راجعت نفسى .. لقد اتخذت كل الإجراءات الوقائية اللازمة لمغامرة السير فى شوارع المحروسة، مع ذلك انتهى بى الأمر لهذه الواقعة المؤلمة المهينة التى لولا ستر الله لقضت على أو أسلمتنى لحالة غيبوبة، بعد أن كاد رأسى يرتطم بعدة احجار أسمنية وضعها البعض على جانبى الطريق لفتح ممرات أمام متاجرهم، أو لجراجات وهمية تؤمن مبيت سياراتهم ليلا وحركتها فى النهار!!
قالت لى سيدة تكرمت بمساعدتى على الوقوف» احمدى ربنا، ابنتى كادت تفقد رضيعها عندما تعثرت وهى تحاول صعود «جبل الجيوشي» الذى يطلقون عليه رصيف!!».. صرخ أحدهم فى صاحب المتجر الذى تعمد وضع حجارة بحجة عدم سد باب الرزق، مذكرا إياه بالحديث الشريف عن إماطة الأذى عن الطريق..
ما أن انفض المارة من حولى حتى طفرت من عينى دموع الغيظ والألم..فيما تحاملت على ساقين وذراعين وكفين؛ باحت ندوبهم بما تعرضت له صاحبتهما من أذى لأصل لباب بيتي، عاودتنى سلسلة طويلة من الحوادث التى تعرض لها زملاء وأقارب بعد أن تكاثرت مصايد الموت والأحجار فى نهر الطريق وتلاشت طرق وأرصفة كان من المفترض أن توفر للمارة سيراً آمنا، ولكنها تحولت لأثر بعد عين بفضل نتوءات ومنخفضات وألواح رخام زلقة حلت مكان الإسفلت، ليصبح السير فيما تبقى من مساحات احتلها باعة وإشغالات طرق؛ مغامرة غير مأمونة العواقب!!..
تحايلت على ألم وخجل تملكانى لحظة تذكرت مشهد سقوطى على وجهي-.. نظارتى التى طارت.. ملابسى التى تحول لونها من الأخضر للوحة سيريالية غلب عليها لون ترابي..متعلقاتى المبعثرة فى نهر الطريق التى تكرم المارة بلملمتها..وجع حائر متنقل وإن كانت نقطة ارتكزه رسغي..-، بمحاولة استرجاع أسماء وصور لطرقات خايلت كتابنا..فيلم بعنوان طريق الأمل وآخر طريق السعادة وثالث يحمل عنوان الطريق مُجهلاَ، ليظل السؤال هل كان بطل رواية نجيب محفوظ يتخبط فى طريق البحث عن والده أم عن أمان لا يتحقق إلا باكتشاف الذات والخالق .. شارع السد وحديقة ناميش وأزقة خان الخليلى والحسين التى رأيتها بعين الخيال فى سطور يوسف السباعى ونجيب محفوظ قبل أن تطأها قدمي.. سطور صورت طرقا، شهدت ميلاد أحداث عكست بدورها المتغيرات التى ألمت بالمجتمع وبها، بدءاً من طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهما وصولاً إلى سحر الموجى ومى خالد و حمدى أبو جليل وغيرهم ممن جسدوا ثقافة المدينة وخبراتها والتحولات الثقافية والاجتماعية التى شهدتها. فكان الطريق فى كل منها جزءا لا ينفصم عن المشهد أو سلوكيات ورؤى شخصيات العمل وذكريات زمن كانت تحلو فيه تمشية العصارى فى شوارع نظيفة تظللها أشجار، ثم.. تًقلُب الحال ليصبح، أذى وتوحش الطريق قاعدة غابت استثناءاتها!!.
تحت وطأة وخزات ألم أعادتنى لأرض الواقع المتخم بكتل اسمنتية وحفر تفتح فاها انتظارا لضحية جديدة، لاحقتنى علامات الاستفهام؛ فمتى نُفعل قوانين تحولت فى غفلة من الزمن لحبر على ورق، لحماية حق المواطن فى التحرك فى الطرقات؟!، وكيف نستعيد ثقافة «حق الطريق» التى تاهت فى الزحام؟!..
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية