تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > سعيد صلاح > خطوط حمراء لأصحاب "القلوب السوداء"

خطوط حمراء لأصحاب "القلوب السوداء"

ماذا يحدث فى القرن «الأفريقي»؟..
تلك المنطقة التي باتت فى الفترة الأخيرة مسار حديث يخطف الأنظار إليها، وأصبحت حديقة خلفية لبعض القوى ذات الأطماع المكشوفة والمرصودة، وأصبحت مصدر قلق كبير للأمن القومي المصري بل و الأمن القومي لعدد كبير من الدول على رأسها المملكة العربية السعودية ..


وماذا يحدث أيضا فى منطقة حوض النيل تلك المنطقة الحيوية جدا والتي يمر من قلبها شريان الحياة وسر الوجود المصري ومفتاحه.

المتابعة المتواصلة لمجريات الأحداث فى الفترة القصيرة الماضية، تقول إن منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي، تعيش منعطفاً تاريخياً هو الأكثر خطورة فى العقد الأخير، حيث لم تعد التهديدات مجرد تكهنات سياسية، بل أصبحت واقعًا ميدانيًا يمس جوهر «الأمن الوجودي» للدولة المصرية، فبينما تشتعل نيران الحرب فى السودان الشقيق، وتتزايد أطماع «ميليشيا الدم السريع» فى تفتيت وحدة البلاد مدعومة بقوى إقليمية لا نعلم حتى الآن إلى أين ستأخذها أطماعها وتدخلاتها غير المحسوبة فى شئون وسياسة ومصير بعض الدول، يبرز التعنت الإثيوبي فى ملف سد النهضة كخنجر يحاول النيل من شريان الحياة الوحيد للمصريين، مضافاً إليه تحركات أديس أبابا الاستفزازية فى البحر الأحمر، مما دفع القاهرة لإعادة رسم «خطوطها الحمراء» بلغة أكثر حزمًا ووضوحًا.

فى نهاية الأسبوع الماضي استقبل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ، رئيس مجلس السيادة الانتقالي فى السودان فى زيارة رسمية، استعرض فيها الرئيس السيسي مع ضيف القاهرة، الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لاستعادة السلام والاستقرار، وأيضاً الأوضاع الإقليمية فى منطقة حوض النيل وفى منطقة القرن الأفريقي، حيث تم التأكيد على تطابق رؤى البلدين بشأن الأولويات المرتبطة بالأمن القومي، وحرصهما على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحماية الأمن المائي، ورفض الإجراءات الأحادية فى حوض النيل الأزرق، مع التشديد على ضرورة احترام قواعد القانون الدولي بما يحقق المصالح المشتركة لدول الحوض كافة ،

وبعد اللقاء خرج بيان من رئاسة الجمهورية فى غاية الأهمية ويحمل فى طياته تفاصيل ورسائل دقيقة جدا وموجهة وتحمل كثير من المعاني والمواقف المعلنة تجاه تحركات تحدث فى الخفاء والعلن وتعلمها الدولة المصرية وحددت موقفها منها وجهزت وتنفذ تصرفها نحوها .

جاء البيان الرئاسي المصري الناصح والحاسم، راسمًا خطوطًا حمراء جديدة للدولة المصرية، لحماية أمنها القومي فى منطقة حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر.

جاء البيان الرئاسي الحاسم، ليضع النقاط على الحروف فى وقت شديد الحساسية، فقد أعلنت مصر صراحة أن السودان يقع فى «دائرة الأمن القومي المصري المباشر»، وأن أي مساس بشعبه أو محاولة لتقسيم أراضيه هو اعتداء على مصر ذاتها.

أبرز ما حمله البيان هو الحديث عن «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، هذا التلويح ليس مجرد رسالة دبلوماسية، بل هو إعلان عن جاهزية القاهرة لاتخاذ كافة التدابير القانونية والميدانية لمنع سقوط مؤسسات الدولة السودانية أو إنشاء «كيانات موازية» تحاول شرعنة الانقلاب على وحدة السودان.

البيان المصري يضع الخطوط الحمراء الجديدة، ليقول للجميع إن مصر ترى فى ميليشيا «الدم السريع» التي تعبث فى السودان وترى من يقف خلفها من قوى إقليمية ودولية محاولة لتمزيق الجوار الاستراتيجي، وهو ما ترفضه القيادة المصرية جملة وتفصيلاً، مؤكدة أن سلامة الفاشر والخرطوم وولاية النيل الأزرق وكافة المدن السودانية هي جزء لا يتجزأ من سلامة القاهرة نفسها.

على الجانب الآخر من معادلة الأمن القومي، من رسم «الخطوط الحمراء» الجديدة من السودان ، إلى «الخيارات المفتوحة» فى سد النهضة، يجدر التعليق والتحقيق فى مسألة الأمن القومي المصري فيما يتعلق بسد النهضة والمسارات الجديدة التي ينزلق إليها الملف بفعل التعنت والحمق الأثيوبي المطلق والمستمر، وهنا تجدر الإشارة إلى التصريحات «النارية» الحاسمة والتي جاءت على لسان أسد الدبلوماسية المصرية وزير الخارجية بدر عبد العاطي، والتي أعلن فيها صراحة فشل «المسار الدبلوماسي» مع إثيوبيا ، مؤكدا أن مصر استنفدت كافة سبل «الصبر الاستراتيجي»، بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب التعنت الواضح والمطلق من أديس أبابا.

وزير خارجيتنا أكد أن مصر تحتفظ بحقها الكامل، الذي يكفله القانون الدولي، فى الدفاع عن أمنها المائي بكافة الوسائل المتاح، وأيضا تصريحات سفيرنا فى إيطاليا بسام راضي وهو يتحدث أمام مندوب إثيوبيا الذي أراد تزييف الحقائق وتصدير صورة مغايرة للواقع عن تصرف مصر فى هذا الملف .

هذا الخطاب السياسي المعلن للموقف السياسي والدبلوماسي المصري فى ذلك الملف، يتفق ويتسق أيضا مع تصريحات تقنية وميدانية لوزير الري الدكتور هاني سويلم، الذي وصف سد النهضة بأنه «سد غير قانوني» وأن إدارته تمثل «صندوقاً أسود» يهدد دول المصب بمخاطر وجودية فى سنوات الجفاف أو حال وقوع أي خلل إنشائي ، مؤكدا أن مصر لم تعد تكتفى بالاحتجاج، بل نفذت إجراءات استباقية حمائية لمواجهة أي تصرفات مفاجئة، معلنة ومؤكدة فى نفس الوقت أنها لن تسمح بفرض أمر واقع ينتقص من حصتها المائية
ولو لقطرة واحدة.
وعطفا على ما سبق، أتصور أنه لا يمكن فصل التعنت الإثيوبي فى ملف المياه عن تحركاتها المريبة فى منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، فمحاولات أديس أبابا القفز على سيادة دول الجوار للحصول على منفذ بحري وحلمها فى ميناء «عصب»، وتصريحاتها المعادية، لا تهدد استقرار الصومال أو إريتريا فحسب، بل تمتد لتضرب وتهدد أمن الملاحة فى البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية فى العالم، وأمن قناة السويس أيضا أحد أهم القنوات الملاحية فى العالم وأحد أهم شرايين التجارة العالمية.

هذا «العبث» الإقليمي دفع قوى «وازنة» مثل المملكة العربية السعودية للدخول بقوة على خط الأزمة، انطلاقاً من رؤيتها المشتركة مع مصر فى الحفاظ على أمن البحر الأحمر، وحماية الممرات المائية من الأطماع الخارجية ، وأرى فى التنسيق المصري السعودي الحالي «حائط صد» قوي أمام أي محاولة لتغيير الجغرافيا السياسية فى المنطقة أو استغلال الأزمات السودانية والإثيوبية لفرض هيمنة قوى معادية ، أو قوى لها أطماع غير محسوبة وغير محدودة .

إن مصر قررت أن تختم العام الحالي 2025 برسائل واضحة فيما يخص هذه الملفات التي باتت أكثر اشتعالا من الملف الفلسطيني، مصر قررت أن تبعث برسالة واضحة للجميع خاصة إلى أصحاب الوجوه والقلوب السوداء – وهو ليس وصفا عنصريا بل توصيفا لأهل الشر- فى السودان وإثيوبيا : «لقد انتهى زمن المماطلة»

أعتقد أن البيان الرئاسي بعد زيارة البرهان وما سبقه من تصريحات على لسان وزيري الخارجية والرى فيما يخص سد النهضة إنما يؤكد على أن الدفاع عن وحدة السودان، وتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، وحماية الأمن المائي، ليست خيارات تفاوضية بل هي ضرورات بقاء، وإن أي محاولة لتهديد استقرار جنوب البحر الأحمر أو العبث بمقدرات الشعبين المصري والسوداني ستواجه بقوة لم يعهدها المعتدون من قبل، فالمصالح المصرية اليوم محمية بإرادة سياسية صلبة وجيش يدرك تماماً حجم التحديات التي تحيط بحدوده من كافة الاتجاهات.

مصر تؤكد أن أزمات السودان، وسد النهضة، والقرن الأفريقي، هي كتلة واحدة لا تتجزأ ، وأي عبث فى أي من هذه الملفات سيقابل برؤية مصرية موحدة وشاملة، القاهرة يا سادة لن تسمح بسياسة «تجزئة الأزمات» التي تحاول بعض الأطراف استغلالها لإنهاك الدولة المصرية فى عدة جبهات، فهى سياسة مكشوفة ومفضوحة ولدينا من الطرق المثلى للتعامل معها الكثير ولن نتركها تؤثر فينا بل ولن نسمح بأن تنفذ معنا وضدنا..

مصر كلها على قلب رجل واحد خلف قيادتها وجيشها ولن تسمح لأي كائن على الأرض أن يمس حق من حقوقها أو يهدد أمنها القومي ومصالحها وأسباب وجودها ولو «قيد أنملة» .
حفظ الله الجيش .. حفظ الله الوطن

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية