تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
جودت الملط.. فارس حماية المال العام
رحل عن عالمنا يوم 30 نوفمبر 2024 المستشار جودت محمد الملط، الذى ترأس الجهاز المركزى للمحاسبات لمدة 12عامًا، كانت له فيها جولات وصولات فى حماية المال العام، والكشف عن مظاهر الإسراف والانحراف فى الجهاز الإدارى للدولة.
ولد الرجل فى عام 1935 بإحدى قُرى مركز أبو حماد بالشرقية، وتخرج فى حقوق الإسكندرية عام 1956، ثم حصل على درجة الدكتوراة من حقوق القاهرة عام 1967. بدأ عمله بسلك القضاء فى مجلس الدولة فى نفس عام تخرجه، وشغل مناصب رئيس التفتيش القضائي، ورئيس المحكمة الإدارية العُليا، ورئيس محكمة الأحزاب السياسية. ثُم عُين نائبًا لرئيس مجلس الدولة عام 1986، ورئيسًا للمجلس عام 1998، حتى إحالته للتقاعد فى العام التالي، وتعيينه فى نفس العام رئيسًا للجهاز المركزى للمحاسبات حتى أكتوبر 2011. يعود تاريخ الجهاز إلى عام 1942 عندما صدر قانون بإنشاء «ديوان المُحاسبة» للمراقبة على المال العام. وفى عام 1964، تغير الاسم إلى الجهاز المركزى للمُحاسبات، وكان أول رؤسائه زكريا مُحيى الدين. وبُمقتضى القانون، فإنه هيئة مُستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة منوط بها الرقابة المالية على كافة الجهات والهيئات الحكومية.
ويُمارس عمله من خلال ثلاثة أشكال وهي: الرقابة المالية بشقيها المُحاسبى والقانوني، والرقابة على الأداء ومُتابعة تنفيذ الخُطط، والرقابة القانونية على القرارات الصادرة فى شأن المُخالفات المالية.
ومن خلال رئاسته للجهاز، ساهم الملط بدور بارز فى تطوير الرقابة المالية والمحاسبية لجهاز الدولة، فحرص على ممارسة الرقابة على جميع الهيئات والأجهزة التى يساهم المال العام فى جزء من موازناتها.. لم يتردد الملط فى تسجيل المُخالفات المالية والإدارية لجهاز الدولة، كما لم يتردد فى تقييم أدائه. وعلى سبيل المثال، فإن تقرير الجهاز للعام 2008/2009، سجل أن أموال «الحسابات والصناديق الخاصة بلا ضابط ولا رابط»، وانتقد ضعف الإنفاق على الصيانة والمشروعات الاستثمارية، كما انتقد أن إنفاق الأجهزة الحكومية على التعازى والتهانى والعلاقات العامة يفوق ما تتحمله الموازنة. كما سجل مُخالفات عديد من الوحدات المحلية وعدم اتباعها لقواعد تنظيم المُناقصات. وانتقد أيضا عدم تحرك أجهزة الدولة لوقف التعديات على الأراضى المملوكة للدولة، وتقاعسها فى هذا الشأن.
وحسب ما ورد على موقع اليوم السابع بتاريخ 27 يناير 2009 عن جلسة مجلس الشعب التى عرض فيها الملط للتقرير، فقد ذكر «أن المشروعات الحكومية تتم دون دراسات جدوى»، ووصف جرائم إهدار المال بأنها «جرائم سياسية»، مُضيفًا أن الوزراء لا يُحاسبون مرءوسيهم، وأن مجلس الشعب هو المسئول عن هذا الأمر، لأن ذلك يتجاوز اختصاص الجهاز.
كما أكدت تقارير الجهاز وقتذاك أنه لا يجوز إنفاق المال العام بدون مستندات أو أوامر كتابية، كما أنه لا يجوز الإنفاق على بنود غير مدرجة فى موازنة الوزارة أو الهيئة. واستدعته المحكمة للشهادة فى إحدى المحاكمات مع كبار المسئولين بعد 2011 الذين شهدت الهيئات التى رأسوها مثل تلك التجاوزات.
تعددت التقارير التى أعدها الجهاز تحت رئاسة الملط، وبلغت مُتوسط 180 تقريرًا سنويًا إضافة إلى تقرير الحساب الختامى للدولة. وكانت تُرسل إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب، وإلى كل من الوزراء والمحافظين كل فى اختصاصه، كما أرسلها إلى هيئة الرقابة الإدارية رغم أنها لم تكن ضمن الهيئات التى حددها القانون، وفق ما صرح به فى أبريل 2011. لم يكتفِ الملط برصد المخالفات، بل كان يتابع اتخاذ الإجراءات بشأنها، فإذا كانت المخالفة تأديبية يتم إحالتها إلى النيابة الإدارية، أما إذا كانت جنائية فتُحال إلى النائب العام.
فى الفترة التى تلت ثورة 2011، تعرض المستشار الملط لبعض الانتقادات، كان منها أنه قام بتعديل قانون الجهاز لتصبح تبعيته لرئيس الجمهورية بدلا من مجلس الشعب، وأن هذا التعديل جعل الجهاز أقرب إلى السلطة التنفيذية. وكان رده أن تعديل القانون تم فى عام 1998 وقبل تسلمه رئاسة الجهاز. وانتقد بعض أعضاء مجلس الشعب الملط بأنه لم يرسل تقاريره إلى لجان المجلس وأعضائه. وكان رده أنه انتقاد فى غير محله لأن القانون يلزمه بإرسال التقارير إلى رئيس مجلس الشعب وليس الأعضاء. وانتقده البعض أيضا، لعدم الإعلان عن تفاصيل تقارير الجهاز للصحافة والرأى العام، وكان رده أن القانون ينص على سرية هذه التفاصيل. وصرح الملط حينها بأنه يتمنى أن يتغير هذا النص وتصبح التقارير علنية، حتى يعرف الشعب ما الذى يقوم به الجهاز المركزى للمحاسبات.
كان الملط صارمًا فى قول الحقيقة، وفى تصريح له، انتقد مُغالاة بعض القوى السياسية فى مطالبها بعد ثورة 2011، ووصفها بأنها غير واقعية، وأنها «وصلت إلى سقف غير مقبول». وعندما قام شخص يرتدى زى عسكرى بحديث إلى قناة الجزيرة انتقد فيها المشير طنطاوي، صرح الملط بأن هذا السلوك غير مقبول، وأن هذا «ليس حرية ولكن تهريج»، وأننا جميعًا نحتاج إلى وجود دولة قوية. وفى نفس الحديث، ذكر أن الرئيس مبارك لم يتصل به يومًا خلال رئاسته للجهاز للتدخل فى التقارير التى يعدها مُضيفًا أن باستطاعته ركوب الموجة والمُشاركة فى نقد مُبارك.
ومن الجدير بالذكر، أنه عندما أُحيل الملط إلى التقاعد عام 1999، اتصل الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات بالرئيس مُبارك طالبًا منه الموافقة على تولى الملط منصب رئيس المحكمة الاتحادية العُليا وهى أعلى منصب قضائى فى الإمارات، فاعتذر له مُبارك بحاجة مصر له. وبعدها أصدر قرارًا بتعيينه رئيسًا للجهاز المركزى للمُحاسبات.
رحل عنا قاضى قُضاة المال فى مصر، وبقيت مؤلفاته القانونية وممارساته العملية هاديًا لأجيال تالية من القُضاة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية