تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الشراكة الإستراتيجية بين مصر والسعودية
حسنا فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تصدى بكلمات حاسمة وواضحة وضعت الأمور فى نصابها الصحيح وقضت على أوهام المتربصين بالعلاقة التاريخية التى تربط مصر والمملكة العربية السعودية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الذى صاغ برؤية حكيمة ثوابت هذه العلاقة التى ما حاد عنها أحد من ابنائه حتى اليوم.
والعلاقات المصرية السعودية ليست مثل أى علاقات بين دولتين أو علاقات عابرة ترتبط بظروف معينة بل يمكن القول أنها ترتقى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بمفاهيم علم السياسة وهى شراكة شاملة جامعة مانعة لا تخدم مصالح البلدين فقط بل هى صمام الأمان للاستقرار الاقليمى وركيزة الحفاظ على محددات الأمن القومى العربى الأمر الذى يجعل من الحفاظ على المستوى المتميز لهذه الشراكة مطلباً عربياً لا يختلف عليه أحد. وتستند هذه الشراكة التى تشكل ما يمكن اعتباره محور القاهرة ـــ الرياض، إلى مجموعة من الركائز الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية التى تشكل فى مجموعها مفاتيح الملف الإقليمى لدى صانعى السياسات الدولية.
بداية مصر والسعودية يشكلان أكبر كتلة بشرية فى المنطقة العربية وأكبر سوقين ويتحكمان معا فى الممرات البحرية التى تربط الإقليم بالعالم. وفيما تمثل السعودية مركزاً روحياً للعالم الإسلامى بما تضمه من أماكن مقدسة، تمثل مصر مركزاً ثقافياً وحضارياً لايزال يرسل شعاعه للاقليم والعالم. ويخطئ من يظن أن العلاقات المصرية السعودية هى وليدة اللحظة أو ترتكز فقط إلى حالة من المودة والتقدير بين قيادتى البلدين ـــ وهذا قائم ومهم ـــ لكنها ترتكز بدرجة أساسية على دور مؤسسى تلعبه عدة مؤسسات عميقة فى كلا البلدين فى مقدمتها وزارتا الخارجية وأجهزة الأمن القومى ويؤطرها مجلس تنسيقى يحظى بثقة ودعم سياسى على أعلى مستوى وهو المجلس التنسيقى المصرى السعودى الذى يتولى إدارة الملفات الفنية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك وهذا المجلس دستوره هى بنود معاهدة الصداقة التى جرى توقيعها قبل نحو قرن وتحديداً عام 1926 وهى معاهدة تشكل الأساس المتين لعلاقة وجدت لتستمر وتزدهر.
إضافة إلى القدر الكبير والمتنوع من المصالح المشتركة والمتشابكة التى تربط البلدين والشعبين، وهى مصالح لايمكن التصور بإمكانية التضحية بها من جانب أى طرف ليس فقط لأهميتها ولكن لأنها تمس ملايين البشر وآلاف الشركات فى البلدين.
أولا هناك نحو ثلاثة ملايين مصرى يعملون فى السعودية ويمثلون أكبر تكتل بشرى مصرى فى دولة واحدة خارج الحدود المصرية يضاف إليهم كل عام نحو المليونى مواطن مصرى يتوجهون لأداء فريضة الحج والعمرة بالمملكة يتحركون فى يسر وأمان وكأنهم فى وطنهم الأم. هؤلاء الملايين الثلاثة تبلغ تحويلاتهم السنوية لعائلاتهم نحو عشرة مليارات دولار سنوياً، أما على صعيد الشركات والمؤسسات الاستثمارية فتمثل الاستثمارات السعودية ثانى أكبر استثمار عربى فى مصر بعد الإمارات ويعمل حالياً فى السوق المصرية مئات الشركات السعودية التى تتمتع بحرية حركة لم تحظ بها من قبل فى ظل سياسة مصرية داعمة بوجه عام للاستثمارات الخارجية.
وعلى الجانب الآخر، لوحظ فى السنوات الأخيرة نشاط مكثف للشركات المصرية خصوصاً العائدة ملكيتها للقطاع الخاص المصرى فى السوق السعودية وتتسابق هذه الشركات على دخول السوق السعودية وتأسيس فروع أو شراكات استثمارية لها مع أطراف سعودية وتتركز أعمال هذه الشركات المصرية فى ثلاثة قطاعات رئيسية هى تكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية والتطوير العقارى وهى قطاعات باتت محركة للنمو فى الاقتصاد السعودى فى ضوء رؤية المملكة 2030 وخطة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان الرامية لتخفيف الاعتماد على النفط كمورد مالى رئيسي.
وتعزز من شبكة المصالح الاقتصادية المتداخلة بين البلدين تلك المشروعات ذات الطابع التنموى الاقليمى التى قد يطلقها طرف وتتماشى مباشرة مع مصالح الطرف الثاني. هنا نذكر على سبيل المثال مشروع نيوم السعودى ويقابله مشروع تطوير منطقة قناة السويس على الجانب المصري، فمثل هذه المشروعات العملاقة تخلق المزيد من المصالح المشتركة بين الطرفين وتمنح مزيداً من الفرص للقطاع الخاص فى كل منهما. وفى هذا السياق يولى الطرفان أهمية كبيرة لاتفاقية إنشاء صندوق سعودى مصرى مشترك لإدارة ملف الاستثمارات العامة بين البلدين ولوضع أهداف استثمارية بعيدة المدى محل اتفاق بين البلدين. وتمتد حدود المصالح المشتركة لتشمل ملفات التبادل التجارى والتعاون الثقافى والتعليمى والربط الكهربائى ومشروع جسر الملك سلمان الذى يربط تبوك بشرم الشيخ إلى جانب التعاون فى ملفات أخرى مثل النقل البحرى والجوى وواردات النفط الخام السعودى التى لعبت دوراً لايمكن إنكاره فى استقرار سوق المحروقات فى مصر على مدى السنوات الماضية حيث تتيح المملكة لمصر كميات من النفط الخام بأسعار تفضيلية وطرق سداد ميسرة. باختصار أن مابين مصر والسعودية صنعه التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك وآمال الأمة المعلقة فى رقبة البلدين الكبيرين ومن ثم فإن ما حدث لا يمكن اعتباره سوى سحابة صيف عابرة أساءت بعض الأطراف من هنا وهناك استغلالها دون أن تدرك الحقيقة الراسخة وهى ان هذه العلاقات أكبر من أن ينال منها أحد لأنها باختصار قدر العرب والذين ينتظرون منها الكثير.
----------------------
رئيس مجلس الأعمال اللبنانى ــــ السعودى
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية