تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

فرحة الفراعنة

ترتبط فرحة المصريين غالبا بالماضي. ففى شهر رمضان مثلا يغلبهم الحنين إلى طقوس الشهر أيام الدولة الفاطمية، فيسهرون حتى السحور ويتناولون الكنافة ويزينون البيوت والمحال بالفوانيس الملونة. فى مباريات كرة القدم يستدعى المصريون لقب "الفراعنة" فيطلقونه على فريقهم ويباهون به الأمم، ليس هناك أمة أو فريق يطلق لقب أجداده على فريق للكرة إلا المصريون.

لذلك لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثا أثريا فحسب، كان حدثا نفسيا وجمعيا عميق الدلالة. فداخل جدران هذا الصرح وجد المصريون أنفسهم وجهًا لوجه أمام ماضيهم البعيد، تلك الصورة التى لطالما شكلت جزءا من هويتهم الجمعية، وإن كانت قد تراجعت فى زحمة الحاضر وضغوط الواقع.

تحولت فرحة المصريين بهذا الافتتاح إلى ظاهرة شعورية عامة، جسدتها بوضوح موجة التفاعل مع تقنيات الذكاء الاصطناعى التى أتاحت لهم أن يركبوا وجوههم على أجساد الفراعنة وملابسهم. بين ليلة وضحاها، امتلأت الشاشات بصور المصريين يرتدون التيجان الذهبية ويجلسون على العروش المهيبة. بدا وكأن المجتمع كله يعيش حالة عودة رمزية إلى زمن القوة والسيادة، وكأن المصرى المعاصر وجد فى تلك التجربة الرقمية تعويضا نفسيا عن شعور بالحنين إلى الماضى الحضارى العريق فى واقعه الراهن. هذه الظاهرة ليست مجرد لهو إلكترونى أو موضة عابرة، بل تعبير عن حاجة نفسية عميقة للانتماء والاعتزاز بالذات. فالمصرى حين يرى نفسه بملامح فرعونية، لا يستعيد فقط شكل أجداده، بل يستعيد إحساسه بالقيمة، بالقدرة على الإبداع والعظمة، وبالانتماء إلى حضارة مازالت تبهر العالم حتى اليوم. إنها عملية إسقاط نفسي، يعيد فيها الإنسان صياغة ذاته فى إطار أكثر مجدا مما يعيشه، ليوازن بين واقعه وتاريخه.

إن المصريين لم يكتفوا بمشاهدة آثارهم خلف الزجاج، بل سعوا إلى أن يصبحوا جزءًا منها من جديد، ولو عبر شاشة الهاتف. فى العمق، يحاولون ترميم صورتهم الجمعية، وإعادة الاتصال بجذر نفسى عميق مفاده أن "العظمة مازالت تسكننا".

لم يوقظ المتحف الكبير فى المصريين الفخر التاريخى فحسب، أيقظ فيهم الحنين النفسى إلى الذات الأولى، التى بنت الأهرام، وكتبت على الحجر، وخلدت اسمه فى  الوجود.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية