تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ذكرى الشيخ حسنين مخلوف

منذ أيام حلت ذكرى الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية الذى كانت له مكانة خاصة بين رجال الدين حيث كانوا يعتبرونه أستاذهم جميعا. اقتربت منه فى الثمانينات وصرت من تلاميذه وكتبت فى الأهرام أحاديث معه واستمرت علاقتى به إلى يوم رحيله فى عام 1990..

 

كان من الزاهدين، فقد ترك له والده ثروة ولكنه عاش حياة بسيطة جدا. كان والده من كبار رجال الدين وشغل منصب وكيل الأزهر وكانت تربطه علاقة قوية مع الإمام محمد عبده وشاركه فى معركته لإصلاح مناهج التعليم فى الأزهر. كان يردد القول فى شرح التوكل على الله ويقول: إذا سألت فاسأل الله ولا تسأل أحدا من خلقه، وحكى لى أن والده اختلف مع السلطان حسين كامل سنة 1915 حول الوقف الأهلى واستقال من منصبه ولم يغير رأيه، وسار الابن على طريق أبيه واختلف مع عبد الناصر فى إستيلاء الدولة على الأراضى الزراعية ورأى أن ذلك يخالف مبدأ حرية الملكية فى الإسلام إذا كان المال من حلال والتزم المالك باداء حق الدولة وحق الله بالزكاة. وكان إعلانه لهذا الرأى سببا فى إلغاء ترشيحه لمنصب شيخ الأزهر فى سنة 1954 وكان القرار على وشك الصدور.

كان نموذجا لإستقامة الفكر والجرأة فى الحق لا ترهبه سلطة ولا يخشى إلا الله .. واجه فكر الإرهابيين والمتطرفين بالمنطق والدليل الشرعى، ولم يسع إلى الأضواء ولم يعرف طريقه إلى ردهات ومكاتب التليفزيون والإذاعة ولا شغل نفسه بالسعى إلى الشهرة واكتفى بإعداد كتبه التى كانت مرجعا للعلماء وبالفتاوى والدروس الدينية التى كان يجتمع فيها مئات فى الأزهر الشريف كما كان يحرص على إلقاء درس عقب صلاة العصر كل يوم من أيام شهر رمضان فى مسجد الإمام الحسين ويحضرها كثير من علماء الأزهر.

بدأ حياته قاضيا شرعيا فى قنا ولم يتخلف يوما عن القاء دروسه الدينية يوميا فى مسجد الحسين بعد صلاة العشاء، وكانت دروسه فى كل الأحوال أقرب إلى ندوة يوجه فيها الحاضرون إليه اسئلتهم ويجيب عليها ببساطة معززا كل قول بالقرآن والسنة، عين مفتيا للديار المصرية مرتين، الأولى سنة 1946 وانتهت مدتها القانونية سنة 1950 وعاد فى عام 1952 حتى استقال فى ديسمبر 1954، وعين رئيسا للجنة الفتوى بالأزهر وعضوا فى مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر وعضوا مؤسسا لرابطة العالم الإسلامى، وكان فى فتواه شديد الحرص على ثوابت الدين ويرفض التلاعب أو الالتفاف حول النص القرآنى، وكان من علماء التفسير وله العديد من المؤلفات حول القرآن منها: «آداب تلاة القرآن وسماعة» و«رسالة التفسير والمفسرون» و«المواريث فى الشريعة الإسلامية» وترك لنا 27 كتابا من أهمها كتاب «كلمات القرآن .. تفسير وبيان» وقد أعادت دار المعارف طبعه أكثر من مرة وكتاب «صفوة البيان لمعانى القرآن»، وكان منهجه تفسير القرآن بالقرآن والأحاديث الصحيحة، ويحذر من الاعتماد على الأحاديث الموضوعة والأحاديث التى تسللت إليها الإسرائيليات وانتشرت فى كثير من كتب التفسير القديمة.

خاض معركة طويلة ضد الشيوعية فى وقت كان فيه اليساريون والشيوعيون هم أصحاب الصوت العالى فى الإعلام، وأدلى بشهادته أمام المحكمة العسكرية. حين طلب للشهادة هل الشيوعية لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية فقال ونشرت الصحف شهادته إن الإسلام والشيوعية لا يجتمعان. وكان يعلن فى كل مناسبة أن رجل الدين يجب عليه أن يبتعد عن السياسة وعن الحياة الحزبية لكى يظل مستقلا برأيه ويحتفظ بمكانته بين الجميع ويتمكن من نشر صحيح الدين بعيدا عن محاولات إرضاء أحد من خلق الله..

ومن الطريف ما رواه عن قصة زواجه التى تصور أسلوب الحياة فى مصر فى ذلك الوقت، فقد قرر والده أن يزوجه وهو طالب فى الأزهر واختار له ابنة صديق له من أعيان بندر ملوى ولم يكن والده قد رأى الفتاة ولم ير العريس عروسه إلا ساعة الزفاف، وأقام فى بيت أبيه ينفق عليه وعلى أولاده، واستمرت هذه الزيجة إلى أن توفيت زوجته ولم يتزوج بعدها وتفرغ لرعاية أبنائه حتى رآهم جميعا فى مناصب رفيعة.

كان فى أحاديثه يعيب الجرأة فى الفتوى بغير مشاورة مع أهل العلم، وحين أفتى البعض بأن زيارة القبور حرام قال إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور شهداء أحد وفى الموتى فى البقيع. وحين طلب منه أن يفتى بالكفر رفض الحكم بالكفر على من يشهد بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقد يكون الأقرب الحكم على الشخص بأنه منافق أو عاص أو مجرم وفى الحديث «من قال لأخيه المسلم ياكافر فقد باء بها أحدهما» وأعداء الإسلام يسرهم أن يروا المسلمين يتناحرون ويرمى بعضهم البعض بالكفر. ورحل الشيخ فى شهر رمضان عام 1410 هجرية بعد أن قضى أيامه الأخيرة عاكفا على قراءة القرآن، وترك علما ينتفع به وأولادا يدعون له، وصدقة جارية، وذكرى طيبة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية