تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المجددون فى الإسلام «6»
لماذا نقول إن محمد عبده هو الذى أيقظ العقول وفتح الطريق أمام الإصلاح والتجديد فى فهمنا للدين؟ الإجابة: إنه هو الذى بدأ الدعوة إلى توجيه الثقافة الدينية لتكون قوة دفع لتحقيق التقدم والخروج من دائرة التخلف الحضارى والجمود الفكرى والعقائدى. وهو الذى تحمل الكثير من الاضطهاد بإصراره على إصلاح مناهج التعليم فى الأزهر، وبقيادته حركة فكرية تساير تقدم العلوم والحضارة الحديثة بدلا من الفكر السائد فى زمانه الغارق فى الشكليات وتكرار أقوال علماء السلف وتحريم كل محاولة للمراجعة أو الاضافة.
وفى تحليله لحالة الضعف التى وصل إليها المسلمون بعد أن كانوا سادة الحضارة والعلوم قال إن السبب هو ظهور دعاة خلطوا الدين بعقائد وأفكار ليست منه، تأثروا بما أدخله الزنادقة والمروجون للخرافات والإسرائيليات وبتصوير الإسلام على أنه دعوة للزهد فى الحياة الدنيا والاستسلام لما تأتى به الأيام، والاعتقاد بأن كل ما فى الوجود ليس إلا خيالات وأن الوجود الحقيقى بعد ان يغادر الإنسان الدنيا وما فيها .. وسلاحهم فى ذلك ما وضعه القدماء من أحاديث تقتل الروح الإيجابية فى الإسلام..
محمد عبده دعا بقوة إلى التقريب بين أصحاب الديانات السماوية، وأنشأ جمعية التقريب بين الأديان السماوية فى أثناء إقامته فى بيروت وأنشأ مجلة ظل يكتب فيها مقالات عن المبادئ التى تشترك فيها الديانات والطوائف الدينية، لإقناع الجميع بترك ما تختلف عليه والتوحيد فيما نتفق عليه، وهو صاحب مبدأ إن الإسلام يجمع بين البشر ولا يفرقهم.
وهو الذى عارض بقوة تيار التكفير وقال إن الإسلام لا يعطى أحدا من البشر سلطة الحكم على عقيدة أحد من الناس أو محاكمته على إيمانه، وإنما الحكم والحساب لله وحده، ولكل إنسان أن يختار طريقه مع الحق أو الضلال وليتحمل مسئولية عمله.
وهو الذى خاض معركة تاريخية مع أصحاب الدعوة إلى الحكم باسم الإسلام، وقال إن الإسلام لم يجمع بين السلطة المدنية والسلطة الدينية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الحكم الدينى مصدرها ما كان فى أوروبا حين كانت سلطة الكنيسة هى سلطة الحكم وكانت فوق السلطات المدنية، وكان للكنيسة سلطة الحكم بالكفر والإيمان، وليس فى القرآن أو السنة ما يعطى سلطة الحكم باسم الدين، أو أن يدعى أحد أنه ظل الله على الأرض.
كان محمد عبده المنارة التى أضاءت الطريق الصحيح لفهم حقيقة الإسلام وقال إن الإسلام جعل حرية الإنسان أصلا من أصول الدين، وحرر الإنسان من سيطرة الظلم باسم الدين. وقال إن «السياسة» ليست من أمور الدين وإنما هى من أمور الدنيا يديرها الناس لتحقيق مصالحهم وفقا لظروف الزمان والمكان، والناس أدرى بشئون دنياهم كما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم .. وكتب يلعن السياسة، ومن أقواله الشائعة: «أعوذ بالله من السياسة، ومن كل ما يخطر ببالى من أمور السياسة، وأعوذ بالله من ساس ويسوس» وذلك ليؤكد أن وظيفة رجل الدين تعليم الناس أمور دينهم وليس له أن يتولى عملا من أعمال الحكم ومن يشتغل بالسياسة عليه ألا يتدخل فى أمور الدين، فالدين مقدس وأحكامه ثابتة مقررة من الله بينما السياسة من صنع البشر تتغير مع الزمن، ومن يدعى أنه يحكم بالشريعة فإنه يريد أن ينفرد بالحكم ويصادر حرية الإنسان، أو كل من يحكم باسم الإسلام نعوذ بالله منه لأنه افتراء على الله وعلى دينه.
لم يتردد فى التصدى للمتاجرين بالدين ويدعون أن حكمهم هو حكم الله، والصادق فيهم نادر وأكثرهم يتكسبون بهذه الادعاءات .. وهو الذى وضع كتابا بعنوان «الإسلام دين العلم والمدنية» بين فيه أن الإسلام دين العقل والعلم وليس دين الشعوذة والخرافات ولم ينزل الله الدين ليكون تجارة أو وسيلة لخداع الناس واستغلالهم والتحكم فيهم. الإسلام يفصل بين حكم الله وحكم البشر، وليس لإنسان عصمة أو قداسة مهما علا قدره. وإن حكم الله لا خلاف عليه أما حكم البشر فيجوز فيه الخلاف والاختلاف، ولنتذكر يوم الخدعة الأولى التى فرقت المسلمين وأساءت إلى الدين وأدت إلى الفرقة والعداء والتخلف .. يوم أن رفعوا المصاحف واستولوا بذلك على الحكم واعتبروا من يعارضهم يعارض حكم الله، وفى هذا درس لكل مسلم.
كانت ثقافة محمد عبده ثقافة عربية إسلامية، وعاش فترة فى أوروبا وشاهد فيها مظاهر التقدم والحضارة والأخلاق والسلوك المنضبط فقال: «رأيت فى أوروبا أخلاق الإسلام من غير المسلمين، ورأيت فى الشرق مسلمين بدون أخلاق الإسلام» وبذلك أوضح فكرة مهمة هى أن المسلمين تعلموا أن الإسلام هو العبادات والالتزام بالصلاة والصوم والحج والزكاة والذكر وتلاوة القرآن ولم يتعلموا المعاملات والأخلاق فى الإسلام ليدركوا أن الإيمان فى القلب يصدقه العمل، وأن الدين المعاملة، ولذلك ركز كثيرا على ضرورة تعليم الأطفال والشباب الأخلاق الإسلامية. ودعا بقوة إلى رفع الظلم المفروض على المرأة المسلمة باسم الإسلام، وكان أول من طالب بإقرار حق المرأة فى طلب الطلاق إذا استحالت العشرة مع زوجها، وعارض التيار السائد فى زمنه الذى كان امتدادا لعصر الجوارى وقال إن تعدد الزوجات ليس جائزا إلا لضرورة يقررها المسلم ويحاسبه الله عليها، ولذلك أسهم فى تأليف كتاب «حرية المرأة» مع تلميذه قاسم أمين.
ليس هذا كل شىء. محمد عبده أرسى مبادئ الاصلاح الدينى كما سنرى
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية