تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

يا خوفى «يا بدران»

فى فترة ما من فترات تاريخ شعبنا «الأُسرى» التى اقتربت فيه المقامات ولم تعد المرأة تطيق أوامر الرجال، ظهرت فيه وانتشرت ظاهرة ذبح وتقطيع وتكييس الأزواج فى أكياس سوداء، لتلقى بمنتهى البساطة هنا وهناك فى صناديق الزبالة الكبرى!
على ما أتذكر أن هذا فى الثمانينيات وجزء كبير من التسعينيات، وقد كنت أداوم على الذهاب إلى «سجن النسا» أسبوعيا حتى أتعرف على قصة جديدة من قصص النساء اللاتى يقطعن أزواجهن!!

كنت أقف كثيرا أمام المسجونات ولا أستطيع تخيل تلك الملاك، هى نفسها التى قامت بفتح بطن زوجها«وتمتص كبده» من الغل والغيظ والقهر، ثم وبنفس البراءة أخذت تنكر أمامى وكأننى المحامى الذى سيخلصها من حبل المشنقة، وتمحور دفاعها بأنها من غير الممكن ودرب من الخيال تخيل نفسها «تمتص كبد» زوجها سابقا، وهى التى كانت تحبه وتجله وتكن له كل معانى الحب والاندهاش، بل والانبهار، ثم أتركها ليعلوا صوتها من وراء ظهرى لتؤكد قائلة: لست مصاصة دماء، أخذت تكررها كلما رأتنى ويطاردنى صوتها فى حالة دفاع مستميت عن النفس، جعلته عنوانا لسلسلة من الموضوعات الصحفية التى كتبتها تحت بند قتل النساء للرجال، خصوصا الحسناوات منهن، اللاتى ترفضن واقع أن هذا الرجل الذى تعيش معه على مضض، يمكن أن يخونها مع أخري، أو يتنمر عليها، لقد كان هذا الزوج والنسخ منه متكررة، وواحد ممن رأيت زوجته التى أصبحت أرملته بيدها، يسمى «بدران».

دخل عليها كالعندليب يسبل عيناه ويتنحنح ويغنى لها كل أغنيات حب السبعينيات لشادية، وعبد الحليم حافظ، بدءا من أهواك، نهاية بإنى أغرق أغرق، والغريب أنها كعادة نساء هذا الجيل صدقته! وفى أول أسبوع ظهر من عشرته هذا الانفصام الذكورى الشرقي، وقد انقطع إرسال أغنيات العشق والهوي، وإذا به يتحول فعلا إلى رجل غامض جامد عابث، صوته غليظ ينم عن قسوة براجماتية، تلك النظرية العبثية التى دمرت أجيالا وشعوبا وقبائل، فما بالك بأسر بسيطة. حاولت الضحية احتمال تلك القسوة، لكنها لم تستطع احتمال ابتزازها والاستيلاء على دخلها أو أى فائض لها كان يصادره لصالحه، ولو كان مجرد جنيه.

صبرت المرأة سنوات وسنوات، خصوصا بعد الإنجاب الذى قطعته ووضعت حدا له، لا لشيء إلا أنها لا تريد مزيدا من الضحايا يعانون الرفض والتنمر والعدوان على مستقبلهم فى حياة حرة كريمة. مارست القاتلة كل فنون الصبر على مفاجآته التى لا تنتهى بالتنظير عليها وعلى سكان البيت. وبما أن الكبت مع الغيظ خليط من الوكسة على الفرسة التى تجيب النقطة، يمكنها أن تحدث زلزالا يفجر من أمامه، وقد حدث وشقت بطنه ثم امتصت كبده!

ومات بدران، والآن وإلى كل بدران وخوفى عليه، لا تختبر ضعف من أمامك، ولا تضغط عليه ولا تبتزه، فمن وراء كل قطة فرسة وضغط على المشاعر واختبار للصبر، يمكن أن يولد أداء عالى المستوى من سفاحين كانوا فى الأصل أبرياء، وتحولوا إلى مصاصى دماء، وإن أنكروا!!

وإن طال الزمن أو قصر، فهذا هو مصيرك يا بدران، فلا تفتن بنفسك وقوتك، ويا خوفى عليك يا بدران ويا كل بدران.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية