تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > دكتور يحيى هاشم > المحسوبية تهدم المجتمع و تزرع اليأس

المحسوبية تهدم المجتمع و تزرع اليأس

المحسوبية ليست مجرد ظاهرة إدارية بل هي آلية مدمرة تلتهم ثقة الناس في مؤسساتهم و تقوض قواعد الإنصاف و تزرع روح اليأس بين جيل كامل حين تصبح العلاقات و الوشاية معيارًا للتوظيف و الترقيات و الترشيحات الانتخابية و الحصول على الخدمات فتتحول الدولة و المجتمع من ساحة للحقوق المتساوية إلى لعبة يقف فيها الأضعف خارج الحلبة هذا هو الوجه الحقيقي للمحسوبية هدر طاقات و تراجع إنتاجية و توسع في الهوة بين المواطنين و الدولة .

إن المحسوبية هي منح الامتيازات و الفرص للأقارب الأصدقاء أو المعارف بغض النظر عن الكفاءة أو الجدارة و تنتشر هذه الظاهرة في قطاعات متعددة منها التوظيف و التعاقدات الحكومية و التوزيع الاجتماعي للدعم أو حتى في الوصول إلى الخدمات الأساسية و كذلك الترشيحات الانتخابية التي تأني محبطة للمجتمع و ليست على قدر احلام المجتمع نحو المستقبل .


عندما يحل الولاء و القرابة محل الأداء و المعايير الاحترافية ترتفع تكاليف الإدارة و تتدهور جودة الخدمات و تُفقد المؤسسات فرص توظيف الأكفاء ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية و زيادة الفساد المالي و الإداري فنجد الشركات ذات الممارسات المهنية تجد نفسها متنافسة بشراسة مع كيانات تعتمد على علاقات مما يردي مناخ الأعمال و يقلل من الاستثمارات المحلية و الأجنبية .


و كذلك فإن المحسوبية تبث اليأس فالشاب الذي يقدم مئات الطلبات لوظيفة ويُدرك أن فرصه معدومة أمام المحسوبية يفقد الحافز و يبتعد عن المشاركة المجتمعية و تنمو مشاعر الإحباط و المرارة و تتعاظم مشاعر الظلم الاجتماعي و هذا يفتح الباب لعدد من النتائج السلبية و منها هجرة الكفاءات و ارتفاع نسب الفقر و تزايد الجريمة أحيانًا واتساع شعور الانفصال بين المواطنين و الدولة.

اما سياسيًا تقوض المحسوبية الثقة بالمؤسسات الحاكمة و تضعف شرعية الدولة إن رأت الجماهير أن موارد البلد تُسخر لخدمة شبكات علاقات ضيقة و مؤسسة الدولة التي تُدار على منطق القرابة تفقد القدرة على تصميم سياسات ذات كفاءة و عادلة مما يزيد الاحتقان الاجتماعي و يجعل الإصلاح أمراً أكثر صعوبة و يهدم ثوابت المجتمع و يدمر النسق القيمي الاجتماعي .


و لمواجهة المحسوبية التي تهدم المجتمع يجب وضع حلول عملية لتعزيز الشفافية و نشر قواعد التوظيف ومعايير التعاقدات بشكل واضح ومتاحة للجميع و المعايير التي يتم بها ترشيح من يمكن ان يمثل الشعب المصري تمثيلا حقيقيا في المجالس النيابية

كما يجب ان يكون هناك آليات مساءلة فعّالة و لجان مستقلة للتحقيق في شكاوى المحسوبية مع عقوبات رادعة و أنظمة تقييم موضوعية لاختبارات أداء و مقابلات معيارية و لجان اختيار متعددة التكوين و محايدة و لا يمكن ترشيح اي من اعضاء اللجان للحصول على نفس الوظيفة التي يقيمون فيها من يتقدم لها .
و يجب حماية المُبلّغين بقوانين تُضمن سرية و حماية من الانتقام منهم لمن يكشف حالات المحسوبية مع العمل على توعية مجتمعية بحملات إعلامية و تربوية تشرح أثر المحسوبية على المجتمع و الاقتصاد و تشجع على قيم الجدارة مع  تحسين نظام الخدمات و رقمنة الإجراءات فهي تقلص مجال التعاملات الشخصية وتخفض فرص المحسوبية .

و هناك دور الإعلام الوطني المخلص لبلده و المجتمع المدني فلهما دور محوري في كشف الممارسات غير العادلة و الضغط لتطبيق القوانين و عمل تقارير استقصائية و منصات بلاغات و مبادرات مدنية لتعقب الصفقات و الشكاوى فهي يمكن أن تكون أدوات فعالة .

إن المحسوبية ليست قضية شخصية فحسب إنها عدوى تهدد نسيج المجتمع و تدفع بالكفاءات إلى الانسحاب و معالجة هذه الظاهرة تتطلب إرادة حقيقية حاسمة و آليات شفافة و مستقلة و مشاركة شعبية واعية لانه بالطبع ليس الهدف معاقبة الأفراد فحسب بل بناء مؤسسات تقوم على العدالة والإنصاف لأن المجتمع العادل هو الضد الحقيقي لليأس وعنصر رئيسي في صمود الدولة و تقدمها وسلاما عليكي يا بلادي في كل وقت و في كل حين .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية