تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. يسرى عزباوى > د. طه عبد العليم .. الصارم طيب القلب

د. طه عبد العليم .. الصارم طيب القلب

فى مثل هذه المواقف الموجعة تعجز الكلمات عن التعبير، والعقل عن التفكير، واليد عن الكتابة، والقلب الدامع يطمح فقط فى الرجاء فى الرحمة والمغفرة للفقيد الغالي، والذى يعد علامة بارزة فى تاريخ مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

 

يُعرف عن الدكتور طه عبد العليم داخل الجماعة البحثية المصرية الصرامة والحزم، ولم لا، حيث اكتسب هذه الصرامة من طبيعة شخصيته العصامية والإدارية، حيث ولد مع فجر ثورة يوليو 1952، فهو من مواليد 2 يناير 1950، وحاصل على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1972، ثم الدكتوراه فى الاقتصاد السياسى من جامعة موسكو الحكومية عام 1985، وكان نائبًا لما يقرب من 15 سنة لمدير مركز الأهرام، ورئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات، ومدير عام مؤسسة الأهرام، وأيًضًا مقدمًا لبرنامج «دائرة الحوار» الذى كان يذاع على التليفزيون المصري،

وكان للفقيد تأثير كبير فى الرأى العام والنخبة المصرية خلال تسعينيات القرن المنصرم، وبداية الألفية الحالية. حيث لا أنسى عشرات الاتصالات من وزراء ومسئولين ورجال أعمال وصناعة ونخبة مثقفة بعد إذاعة كل حلقة من حلقات البرنامج، بالإشادة والمطالبة باستمرار مناقشة القضايا الجادة التى كان يتناولها البرنامج.

علميًا، كان للدكتور طه عبد العليم مشروعه البحثى والوطني، المتمثل فى قضية «التصنيع والصناعة» فى مصر، وهو المشروع الذى لم يحد عنه يومًا من الأيام فى كتبه ودراساته وحتى مقالاته الأسبوعية فى جريدة الأهرام الغراء.

منذ أن كان لى شرف الالتحاق بالعمل معه كمساعد باحث عام 2001 حتى وافته المنية، كان شغل الدكتور طه الشاغل قضية التصنيع. وكان يرى أن التصنيع هو قاطرة التنمية، وأن على الدولة المصرية الجديدة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى أن تولى الصناعة اهتمامًا كبيرًا لحل الكثير من المشاكل الراهنة والمستقبلية التى تواجه الدولة المصرية. وبالرغم من إدراكه التام أن الدولة المصرية هى دولة زراعية فإنه كان يرى أن الزراعة تشكل بؤرة الصناعة.

مهنيًا، كان الدكتور طه يؤمن أن أحد واجباته الأساسية أن يقدم للزملاء الصحفيين مشروعًا حقيقيًا يستفيد منها أغلب أعضاء نقابة الصحفيين، وهو الأمر الذى تم بالفعل، حيث أخذ على عاتقه إنشاء مدينة الصحفيين فى مدينة القاهرة الجديدة، والتى استفاد منها ما يربو على 400 زميل من مختلف الصحف القومية والحزبية والخاصة، والتى استغرق بناؤها أكثر من ثمانى سنوات، حيث واجهت الكثير من المشكلات، ولكنه بجهده ودأبه المعهود، وإيمانه بمشروعه الخدمى للزملاء، رأت المدينة النور، وهوالمشروع الذى يعد الأهم والأكبر على الإطلاق فى تاريخ نقابة الصحفيين.

وأيضًا كان للدكتور طه مواقفه الثابتة تجاه الحريات العامة وتجاه حرية الصحافة، والتى من أجلها فقد منصبه كرئيس للهيئة العامة للاستعلامات، حيث عبر عن ذلك الموقف للرئيس مبارك شخصيًا عبر ساعة كاملة من الحوار معه، وذلك خلال عودتهم من إحدى الجولات الخارجية، الأمر الذى لم يعجب بعض دوائر السلطة المقربة من الرئيس الراحل، والتى على أثرها فقد فقيدنا الغالى منصبه، وعاد إلى بيته، مركز الأهرام عام 2004.

إنسانيًا، وعلى مدى خمسة وعشرين عامًا، هى حصيلة معرفتي، وعملي، ومصاحبتي، ومجاورتي، للدكتور طه، ورغم الهيبة والشدة التى كان يتمتع بهما عن غيره من الأساتذة والزملاء فى مركز الأهرام، فإنه كان طيب القلب، وهو الأمر الذى كان يحاول هو نفسه أن يخفيه كثيرًا، لكنه سرعان ما تظهر من الطيبة فى تعامله، وأتذكر جيدًا حينما كنت أخطيء، كان يوجه إلى نقدًا قاسيا، ولكن سرعان ما يناقشني، ويقول لى يسرى أنت ابني، وأنا عازوك باحث شاطر، ومتميز عن زملائك، لذا أوصيك بالدقة ثم الدقة ثم الدقة. وأعلم أيضًا بمساعدته الإنسانية لمئات الحالات، بعضها داخل مؤسسة الأهرام، أو الهيئة العامة للاستعلامات، وخارجهما أيضًا.

لم يكن الفقيد الغالى الدكتور طه عبد العليم باحثًا عاديًا، بل كان استثنائيًا فى الكثير من الأمور. وأتذكر دومًا مقولته الشهيرة «اللهم أحينى باحثًا وامتنى باحثًا واحشرنى فى زمرة الباحثين».

وآخيرًا، وليس أخرًا لا يسعنى إلا القول (إنا لله وإنا إليه راجعون) ونسألكم الفاتحة للفقيد الغالى الدكتور طه عبد العليم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية