تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. يسرى عبدالله > الوداع الحزين والخروج من المأزق

الوداع الحزين والخروج من المأزق

حين ضاعت ضربة الجزاء الأخيرة، وسدد حارس المنتخب الكونغولى ضربته بنجاح فى الزاوية نفسها التى سدد فيها زملاؤه، كان أكثر شىء آلمنى حقا هو غياب تلك الفرحة المنتظرة من جماهير شعبنا، وفى توقيت وسياق أصبح الناس جميعهم يتوقون إلى بهجة ولو عابرة.

 

ولو علم اتحاد كرة القدم المصرى ما تفعله الكرة من تأثير مذهل فى المزاج العام للمصريين لصنعوا واقعا كرويا أفضل من ذلك، ولو فطن الإعلام الرياضى المدجج بالانتماءات الضيقة، وهوس الجدل، وركوب موجات الترند التى لا تنتهى لما تحامل على لاعبنا المصرى العالمى محمد صلاح كل هذا التحامل، وفى المحصلة النهائية يخرج منتخبنا الوطنى من دور ١٦ فى كأس الأمم الإفريقية التى تجرى الآن فى ساحل العاج.

ليست الكرة منفصلة عن الذهنية العامة فى الحقيقة، والناظر إلى الواقع الرياضى بوصفه جزيرة منعزلة عن تسييد قيم، وتغليب أخرى سيكون واهما، فالمنطق الحاكم لأى إدارة مختصة بشيء، أيا ما كان، يجب أن تعتمد أولا على التخطيط العلمى، المستند إلى تصور كلى للواقع، واستراتيجيات قابلة للتنفيذ، وليست مجرد أفكار نظرية.

كان (مارادونا) اللاعب الأرجنتينى الفذ فى تاريخ كرة القدم، يشير بكبرياء إلى الكاتب الأورجويانى إدواردو جاليانو، ويشكره أن علمه قراءة كرة القدم، كان جاليانو صاحب الكتاب المهم (الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية)، يجيد قراءة ما وراء اللعبة، مثلما يجيد الوعى بتكنيكاتها، وعندما صنع كتابه الممتع (كرة القدم بين الشمس والظل) احتل مارادونا حيزا ممتدا فى الكتاب إلى جوار بيليه، وبلاتينى، وغيرهما.

إن الكرة شأنها شأن كل شىء الآن، قد جاوزت كونها تلك اللعبة الفطرية إلى أن تصبح صناعة متكاملة، تتكئ على أدوات وعناصر يجب أن تتآزر فيما بينها، وتشكل سياقا دافعا للمنتخبات التى تمثل شعوبها وتدرك قيمة هذه الشعوب ومعنى أن تدافع عن علمك الوطنى على غرار ما نراه مثلا فى منتخب كرة اليد لدينا، والذى يقدم مستويات متقدمة باستمرار، وحاز كأس الأمم الإفريقية منذ أيام قليلة.

إن اول شيء يمكن أن نفعله الآن، أن يكون هناك دور لوزارة الشباب والرياضة فى التخطيط المستقبلى لواقع اللعبة الشعبية الأشهر، بدءا من تعزيز مساحات اللعب، خاصة أن الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة تحديدا قد ضاعفت من الإنشاءات الكروية، والأهم خلق تصور يشتمل على كل ما يتعلق باللعبة وعناصرها، بدءا من اختيارات العناصر التدريبية، والأجهزة المعاونة، واستقدام المدربين، وعدم خلط الأوراق، من خلال فض الاشتباك بين أن تكون مسئولا رياضيا ومشتغلا بالإعلام الرياضى فى الوقت نفسه، والتنسيق مع المجلس الأعلى للإعلام فيما يتصل بمواجهة خطابات التعصب والتحريض الكروى، وتصفية الحسابات الشخصية داخل بعض الاستوديوهات الرياضية، والاهتمام بقواعد بناء اللعبة فى المراحل الأولى لدى البراعم والنشء، وتبنى مبادرات جديدة ابنة خيال خلاق، على غرار المبادرات التى وجدناها فى قطاعات حيوية أخرى.

سيكون التفكير المستقبلى الذى يؤسس للقادم هدفا استراتيجيا إذن لا غنى عنه، وهذا ما يستدعى أن يكون هناك حوار منتج بين الوزارة من جهة، واتحاد الكرة من جهة أخرى، يقدم فيه الاتحاد تقريرا عما حدث أولا، ولماذا ترك مثلا محمد صلاح فى مواجهة مفتوحة مع الجماهير، وتأخر فى إعلان سفره للعلاج فى ليفربول، وماذا يعنى أن يكون هناك تشخيص طبى خاطئ؛ ولا أعنى بالجماهير هنا تلك اللجان الإلكترونية التى تهاجم أحد أبرز سفرائنا فى الخارج، بنوازع لها علاقة بانتماءات أيديولوجية، أو بانحياز إلى بعض اللاعبين المنتمين إلى التيارات المعادية للهوية المصرية، أو حتى بعض اللاعبين المعادين لحركة الزمن، والمعتقدين بأن تسجيل الأرقام القياسية حكر عليهم فقط، ويجب ألا يتخطاهم غيرهم.

إن تقرير الإخفاق ومدى جديته، ومدى شفافيته أيضا يجب أن يكون فيصلا فى الحكم على استمرار اتحاد الكرة من عدمه، ويجب أن يقدم الاتحاد من تلقاء نفسه على تلك الخطوة.

أما الخطوة الأهم فتتمثل فى أن يقدم اتحاد الكرة فى غضون الأسابيع القليلة المقبلة تصورا مرحليا يتصل بالنهوض باللعبة، وكيفية إدارة المنتخبات الوطنية فى المراحل العمرية المختلفة، اعتمادا على قيم الكفاءة والنزاهة، والشفافية، وكيفية الانتقال من التوسع الأفقى للعبة، إلى التوسع الرأسى، وربط مراكز الشباب المنتشرة فى ربوع الوطن بالأندية المستقرة، ومراجعة اللوائح والقوانين الرياضية، وهل هناك تصور للعقود الرياضية التى تتم بين الاتحاد والمدربين خاصة الأجانب منهم، بحيث لا يصبح المدرب الذى يخسر اى بطولة فى المتناول، منتشيا بشرط جزائى ضخم، وأن تكون هناك بنود فى التعاقد تنص على الأهداف والغايات التى يأتى من أجلها المدير الفنى وجهازه المعاون، كما يجب على الإعلام الرياضى تغليب مصلحة المنتخبات على الأندية، والنظر إليهما من زاوية التكامل لا التعارض، والاتصاف بالوعى، وليكن بعض الوعى فقط ارتقاء لمستوى المسئولية الوطنية وتجلياتها المتعددة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية