تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
اليابان والمتحف المصرى الكبير
يمثل افتتاح المتحف المصرى الكبير حدثا مصريا وعالميا مركزيا وتاريخيا شديد الدلالة والأهمية من أكثر من جانب.
فأولا يمثل الاحتفال بهذه المناسبة الجليلة فرصة مواتية ومناسبة جديدة للتذكير مجدداً على الصعيد العالمى بريادة مصر الحضارية وعطائها التاريخى الممتد للإنسانية جمعاء لقرون طويلة حملت فيها الحضارة المصرية القديمة مشاعل التنوير لتقود البشرية نحو التقدم والازدهار والرخاء، سواء على الأصعدة المادية أو الروحية أو المعنوية أو الأخلاقية أو الفكرية والثقافية،
وهو أمر يمثل ركيزة أساسية من ركائز قوة مصر الناعمة، فى عهد تزايد فيه وتعاظم وزن ودور وتأثير القوة الناعمة على المستوى العالمى بأسره، وأصبحت مصادرها رقما صعبا فى المعادلة الخاصة بتوظيف مختلف أشكال وصور القوة لتعزيز المكانة الإقليمية والعالمية لكل دولة.
وثانيا يحقق حدث افتتاح المتحف المصرى الكبير إنجازا يلبى انتظارا طال لمدة سنوات وسنوات، وذلك أخذا فى الاعتبار أن الموعد الأصلى لافتتاح المتحف كان من المنتظر والمخطط والمقرر أصلاً أن يكون فى عام 2012،
إلا أن أحداث ثورة 25 يناير 2011 والفترة التى أعقبتها وشهدت بعض معالم لحالة عدم استقرار أدت إلى تأجيل لبعض أعمال المتحف، وهو الأمر الذى ترتب عليه بالتالى إعادة نظر ضرورية ومراجعات لبعض الإجراءات والعطاءات، وخطط البناء والتطوير والخدمات المقدمة فى سياق المتحف لزائريه لضمان أن يخرج المتحف متواكبا مع أحدث ما هو متاح على الصعيد العالمى من تكنولوجيا بناء المتاحف والملحقات الضرورى توافرها وبناؤها معه من معامل وغيرها.
وثالثاً يمنح افتتاح المتحف مصر نافذة جديدة لتوظيف الدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية العامة معا وجنبا إلى جنب بشكل منسجم ومتناغم ومنسق وفعال ونشط، وذلك بغرض استهداف فئات عريضة من مواطنى بلدان العالم الأخرى، سواء كسائحين إضافيين يقدمون على زيارة مصر لرؤية هذا المتحف المتميز والفريد، الذى سيكون واحدا من أكبر متاحف العالم، ليس فقط من حيث المساحة بل من حيث عدد القطع والمقتنيات الموجودة بداخله والتى تنتمى إلى حضارة إنسانية واحدة، هى حضارة مصر القديمة، أو كمثقفين وفنانين ومبدعين قادمين من كل صوب وحدب سوف يجدون مصادر إلهام جديد مستوحاة من هذا المتحف المانع والجامع وما يعكسه من درجة متقدمة وجرعة مكثفة من العطاء الحضارى الإنسانى.
وإذا كان العالم كله يهنئ مصر على هذا الإنجاز العظيم المتمثل فى افتتاح المتحف المصرى الكبير، والذى تحقق بعقول وعزيمة وسواعد أبنائها، فإنه من المهم أيضاً فى تلك المناسبة أن نتذكر بالتقدير والعرفان دولاً قدمت دعما لمصر فى إطار مشروع المتحف المصرى الكبير، ويأتى فى مقدمة تلك الدول اليابان والتى قدمت دعماً ماديا وتقنيا وتكنولوجيا مهما وكبيرا لمصر فى سياق بناء المتحف، وتزويده بأحدث معطيات وأدوات التكنولوجيا العالمية وتوفير البنية التحتية اللازمة له والمنشآت ذات الطابع الفنى المعاونة للمتحف نفسه،
وهو الأمر الذى تبلور عبر أشكال محددة متفق عليها بين البلدين وبدأ بالفعل منذ العقد الأول للقرن الأول من الألفية الثالثة، وكان لليابان السبق والنصيب الأكبر من بين دول العالم فى تقديم هذا الدعم الكبير والمهم والمتنوع لهذا المشروع المصرى والعالمى العملاق منذ بدايته وحتى افتتاحه.
ولم يأت التعاون اليابانى المصرى بشأن مشروع المتحف المصرى الكبير من فراغ، فأولاً التعاون المصرى اليابانى قديم يعود إلى ما بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وثانيا هذا التعاون فى بداياته وعلى مدى عقود اتسم بتركيز خاص على البعد الثقافى، بما فيها موضوع الآثار، وهو ما استعرضته تفصيلاً فى كتاب تشرفت أنه صدر لى عن المجلس الأعلى للثقافة فى القاهرة فى عام 2010 بعنوان: «دبلوماسية الثقافة: الحالة المصرية اليابانية»،
ولكن ما يهمنى التركيز عليه هنا هو الدور اليابانى المحورى فى إطار الجهد الدولى لمساعدة مصر على إنقاذ آثار النوبة خلال فترة بناء السد العالى فى عقد الستينيات من القرن العشرين،
وفى سياق مشروع عالمى أكبر رعته فى تلك الفترة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ثم بعد ذلك بعقدين من الزمان تقريبا كانت اليابان هى الدولة التى تعاونت مع مصر لبناء دار الأوبرا المصرية التى جاءت لتكون بؤرة إشعاع ثقافى وحضارى وفنى شامل ومتواصل ومتصاعد بشكل إيجابى وفعال حتى الآن، ويجىء مشروع المتحف المصرى الكبير الذى كانت بداياته أيضا بعد مشروع دار الأوبرا بنحو عقدين من الزمان ليكون بمثابة مرحلة جديدة ومهمة لهذا التعاون الثقافى المصرى اليابانى، الذى شمل أيضا لاحقا مشروعا عملاقا آخر هو تأسيس الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا فى برج العرب، ثم مشروع إقامة المدارس اليابانية فى مصر، وجميعها مشروعات ذات محتوى ومدلول ثقافى واضح وفى إطار مدروس ومخطط.
ويجب أن نذكر أن أحد أكبر علماء المصريات فى العالم هو البروفيسير اليابانى «ساكوجى يوشيمورا»، وهو الذى قاد على مدى عقود عديدة عشرات البعثات لاكتشاف الآثار المصرية، خاصة تلك التى نظمتها جامعة «واسيدا» اليابانية، وهو المشهور باكتشافه أحد مراكب الشمس لدى الفراعنة، كما أنه حظى بتقدير كبير من جلالة امبراطور اليابان منذ سنوات عندما منحه وسام «الشمس المشرقة» وهو أرفع الأوسمة اليابانية.
وهكذا فإنه من المأمول أن يستمر ويتصاعد التعاون المصرى اليابانى فى المستقبل، وينتقل إلى آفاق أرحب وأوسع بما يتلاءم مع العطاء الحضارى التاريخى والإنسانى للدولتين الكبيرتين وشعبيهما العظيمين.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية