تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ثراء فاحش وفقر مُدقع
مازال كتاب أستاذ الاقتصاد الفرنسى توماس بيكيتى «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين» الصادر عام 2014 هو التحدى النظرى الأهم لليبرالية الجديدة ومُنظَّريها. فهو ينطلق من تحليل أكاديمى للأشكال التى تتراكم بها الثروة لمصلحة أصحاب رأس المال الأكبر والأكثر نفوذًا. وهو يخلص إلى أن هذا نمط مستمر لم يُكسر إلا لسنوات قليلة عقب الحرب العالمية الثانية، الأمر الذى أدى إلى ثراء فاحش فى جانب، وفقر مُدقع فى الجانب الثانى. ووفقًا لتحليله المدعوم بإحصاءات وبيانات رسمية، ستستمر الفجوة الواسعة بين الأغنياء فى جانب، والطبقة الوسطى والفقراء فى الجانب الثانى ما لم يحدث تدخل لوضع حد له. وستبقى معدلات الأرباح التى يجنيها الأكثر ثراء أعلى من معدل النمو الاقتصادى فى معظم الدول. ويُفَّند بيكيتى النظرية أو قل الافتراض القائل إن الثروة كالماء الذى يرفع كل الزوارق، ويُثبت أنها لا ترفع إلا زوارق أصحابها وتترك غيرهم لمصيرهم. وعندما يزداد الأغنياء ثراءً على هذا النحو لابد أن يزداد الفقراء فقرًا أو يبقوا فى فقرهم بحيث يكون أقصى طموحهم هو المحافظة على هذا المستوى من الفقر. ومن أهم ما يثبته بيكيتى أن تركز الثروة لدى القلة لا يمثل مشكلة لعدالة التوزيع فقط، بل لعملية الإنتاج أيضًا لأنه يؤدى على المدى الطويل إلى إضعاف القدرة الشرائية لعموم الناس. وهو يفسر، بذلك، موجات الركود التى تصيب اقتصادات كثير من الدول التى يوجد بها ثراء فاحش وفقر مُدقع. فالتطور التكنولوجى المستمر يؤدى إلى زيادة الإنتاج، ولكن تركز الثروة يقلل قدرة المجتمع على استهلاك هذا الإنتاج مما يؤدى إلى الركود الذى يرتبط غالبًا بزيادة العرض على الطلب. وهذا هو تفسيره لتكرار الأزمات الكبرى فى العالم الذى شهد خمسًا منها منذ بداية تسعينيات القرن الماضى وحتى نهاية العقد الأول فى القرن الحالى، أى خلال عقدين فقط. ويُظهر تسارع هذه الأزمات, حين نقارنها بأزمتين كبيرتين فقط حدثتا بين منتصف القرن الماضى وبداية تسعينياته, ماتجنيه الليبرالية الجديدة على الاقتصاد العالمى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية