تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الترجمة قبل التأليف

من الأسئلة التى احترتُ لوقت طويل فى جوابها السؤال عن اهتمام رائد كبير من رواد التحديث فى مطلع القرن الماضى مثل أحمد لطفى السيد بالترجمة، وتركيزه على أعمال المفكر اليونانى المعروف أرسطو. فترجمة بعض أعمال أرسطو كان الإسهام الرئيسى الذى قدمه فى مجال الفكر. ومن هذه الأسئلة أيضًا السؤال عن إعطاء هؤلاء الرواد الأولوية للترجمة والنقل عن مفكرين غربيين أكثر من التأليف وطرح أفكار جديدة معتمدة على واقعنا وظروفنا وتراثنا.

وجدت الجواب أخيرًا فى اطلاعى المتأخر على ذكريات لطفى السيد «قصة حياتى» الذى أُصدرت طبعته الأولى عام 1962. فقد فسر اهتمامه الزائد بأرسطو بقوله: «لفت نظرى فى أرسطو أنه أول من ابتدع علم المنطق، وهو أكبر مؤلف له أثر خالد فى العلوم والآداب». فقد تصور أن على المصريين والعرب أن يبدأوا من حيث بدأ الأوروبيون فى مسيرتهم نحو العلم والعقلانية والحرية، وليس من حيث وصلوا فى زمنه. وكتب فى ذكرياته: «لما كنت مديرًا لدار الكتب تحدثت مع بعض أصدقائى فى وجوب تأسيس نهضتنا على الترجمة قبل التأليف كما حدث فى النهضة الأوروبية». ومن هنا كانت ترجمته لبعض أهم كتب أرسطو مثل «الأخلاق، والسياسة» وغيرهما.

ولعل هذا المنهج يفسر لماذا لم ينجح المثقفون الحداثيون فى ذلك الوقت فى وضع أساس متين للحداثة ينسجم مع أصالتنا وتراثنا وكذلك مع ظروفنا المختلفة عن أوروبا.

وحتى فى مجال الترجمة لم يكتمل أكثر من مشروع لنقل كتاب جان جاك روسو «العقد الاجتماعى» إلى العربية. فقد بدأ أحمد فتحى زغلول فى ترجمته، ولكنه لم يكمله. وكذلك الحال بالنسبة إلى فرح أنطون الذى نقل عن روسو فى كثير من المقالات التى نشرها فى مجلة «الجامعة» بعد إصدارها عام 1899. وعلى سبيل المثال اختار فرح تصدير المجلة بعبارة عن تعليم المرأة اقتبسها من روسو: «يكون الرجال كما تريد النساء، فإذا أردتم أن تكونوا عظماء وفضلاء فعلموا النساء ما هى العظمة والفضيلة».

غريب حقًا هذا المنهج الذى وضع الترجمة فوق التأليف بدلاً من الجمع بينهما.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية