تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هل يصمد وقف إطلاق النار؟
أخيرا توقفت حرب غزة، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه بعد مفاوضات شاقة استمرت شهورا، ورغم ذلك فهناك العديد من التساؤلات المثارة بشأنه، وما إذا كان سيفتح الطريق أمام سلام دائم، يمهد لتسوية القضية الفلسطينية فى إطار حل الدولتين، أم سيواجه صعوبات عند تطبيقه عبر مراحله المتتالية المنصوص عليها، وماذا سيكون وضع حماس؟ وهل ستتخلى إسرائيل عن باقى أهدافها من الحرب التى لم تتحقق؟ وفى المقابل هل ستكتفى إيران زعيمة ما يسمى بمحور المقاومة بدور المتفرج، أم ستعيد صياغة دورها فى المرحلة المقبلة؟ وفى أى اتجاه؟ كلها أسئلة ليست هناك إجابات حاسمة عنها، حتى إن الرئيس الأمريكى ترامب، الذى افتخر بدوره فى التوصل لهذا الاتفاق، ونسب الفضل فيه إلى مبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، قال «إنه غير واثق» من أن وقف إطلاق النار سيستمر، وأضاف «إنها ليست حربنا بل حربهم»، وهو قول لا يخلو من دلالة.
يتضمن الاتفاق ثلاث مراحل، تنص الأولى على وقف الأعمال القتالية لمدة ستة أسابيع، وانسحاب تدريجى للقوات الإسرائيلية، وعودة النازحين إلى شماله، ودخول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن 33 رهينة اسرائيلية مقابل ما يزيد على 1900 سجين فلسطينى، وفى هذه الأثناء سيبدأ التفاوض حول المرحلة الثانية، لتشمل الرهائن المتبقين واستكمال الانسحاب، وصولا لوقف دائم لإطلاق النار، أما المرحلة الثالثة، فتختص بإعمار غزة.
والواقع أن المعضلة تكمن فى المرحلة الثانية، فهى غير محددة زمنيا، وملامحها غير واضحة، حيث لم يُعلن عن تفاصيلها التى تُركت للمفاوضات، ووارد أن تتعثر، لأنها تتعلق بـ«اليوم التالى» للحرب، والذى أكدت الدولة العبرية مرارا على لسان رئيس وزرائها نيتانياهو وأعضاء حكومته، أنه لا مكان فيه لحماس، وبالتالى سيطالب بنزع تام لسلاحها واخراجها من غزة. نيتانياهو لم يحقق كل أهدافه الإستراتيجية من الحرب لاسيما القضاء على حماس، ومن الصعب تصور أنه سيُسقطها ببساطة، ومازال يتعرض لضغوط داخلية من شركائه فى الائتلاف اليمينى الحاكم الذين يعارضون الهدنة، والتى صوت كل من وزير الأمن القومى إيتمار بمن غفير، ووزير المالية يتسئيل سيموتريتش ضدها، على أساس أن ذلك الهدف تحديدا، لم يتحقق إلا جزئيا، والأرجح أن هذه الضغوط ستزداد حال الانتهاء من المرحلة الأولى، ومن ثم قد يُستأنف القتال مرة أخرى، خاصة بعد مشاهد استعراض القوة الذى قامت به كتائب القسام، وقت إطلاق سراح الأسيرات الإسرائيليات.
يضاف إلى ذلك، أن الولايات المتحدة سواء فى وجود رئيسها السابق أو الحالى تؤيد، دون تحفظ، هذا المطلب، فبايدن قبيل مغادرته البيت الأبيض، صرح بأنه «مع بدء المرحلة الثانية، لن يكون هناك حكم لحماس فى غزة»، وهو نفس رأى ترامب الذى قال «إنه لا بقاء للإرهابيين فى اليوم التالى» والمقصود حماس، والذى تتماشى مواقفه بشكل أكبر مع الموقف الإسرائيلى، مثلما إشار وزير خارجيته مارك روبيو، الذى أعلن «أن الدعم الثابت لتل أبيب يحتل أولوية قصوى لدى الرئيس الأمريكى»، الذى سارع فى أول يوم له فى البيت الأبيض إلى إلغاء العقوبات التى فرضها سلفه على مستوطنين إسرائيليين متطرفين فى الضفة الغربية، كما وقع على قرار تنفيذى بترحيل الطلاب الأجانب من بلاده الذين يُظهرون تعاطفا مع حماس وحزب الله، فضلا عن تصريحه الأخير، بتهجير مليون ونصف المليون مواطن من غزة إلى الدول المجاورة.
فى هذا السياق، أطلق الجيش الإسرائيلى فى اليوم الذى تلا تنصيبه، وبعد يومين فقط من سريان الهدنة فى غزة، حملة عسكرية على مدينة جنين شمال الضفة وصفها نيتانياهو «بأنها ستكون واسعة ومهمة» واعتقل خلالها العشرات من الفلسطينيين لارتباطهم بحماس، ووفقا لصحيفة نيويوك تايمز، فإن حضور الحركة زاد فى الضفة الغربية منذ بداية الحرب فى غزة، وأن إيران التى تدعمها بشدة تدير طريقا سريا لتهريب الأسلحة إليها، مقابل تراجع سلطة رام الله، ما يُنذر بتجدد الصراع.
لذا فإن سلوك طهران مستقبلا، يطرح العديد من علامات الاستفهام، فقد تكون فى حالة مراجعة، جراء خسارة معظم قيادات وكلائها الذين تمت تصفية بعضهم على أراضيها نفسها، وكذلك قدراتهم العسكرية، فى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن، ما هدد عمليا نفوذها ومشروعها التوسعى فى المنطقة، كما أعلن مسئول إسرائيلى أن بلاده قد توجه ضربة ضدها، والمنتظر إما ان تتعامل مع الواقع المستجد سلميا وتنخرط فى مشاريع السلام، أو أن تعيد إشعال المنطقة لاستعادة ما فقدته من نفوذ، وما يبدو حاليا، رغم النقاشات العامة بداخلها حول ضرورة مراجعة سياساتها الخارجية، والضغوض الاقتصادية التى تقع تحت طائلها بحكم العقوبات، وتوعد إدارة ترامب بتشديدها جنبا إلى جنب مع ملفها النووى ما يُرجح الخيار الأول، إلا أن شيئا ملموسا من ذلك لم يحدث إلى الآن.
وبخلاف ذلك، فهناك تضارب بين إصرار إسرائيل على استكمال أهداف حربها، بما فيها اقتلاع حماس، وبين خطة وقف إطلاق النار التى تسعى لهدنة مستدامة فى نهاية الطريق، ووفقا لتقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى «فإن الهدفين لا يستقيمان فى آن واحد»، فهل يمكن أن تتخلى عن هذا الهدف؟ والسؤال الأهم هو من سيحكم غزة إذا ما تم فعليا إبعادها عن حكم القطاع؟
إسرائيل من جانبها، لم توافق على أن تكون السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس هى البديل، لتتوحد غزة مع الضفة تحت راية واحدة، وتصبح النواة للدولة الفلسطينية المستقبلية فى إطار حل الدولتين، فهل ستغير موقفها؟ أم ستحتفظ بدورها فى السيطرة على القطاع ومن سيحكمه بعد أن عينت بالتنسيق مع واشنطن حاكما عسكريا له، هو من يديرها فعليا؟
فى كل الأحوال، فإن الاتفاق يُعد إيجابيا فى ذاته، لكن الإجابة عن هذه التساؤلات هى التى ستحدد مدى استمراريته ونجاحه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية