تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

من الدوحة إلى اجتياح غزة

لا يبدو أن القصف الإسرائيلى الذى استهدف مقر اجتماع الوفد المفاوض من حركة حماس فى قلب العاصة القطرية الدوحة، سيكون نهاية التصعيد، بل بداية لمرحلة أكثر قسوة وصعوبة فى مسلسل حرب إسرائيل على غزة التى أصبحت حربا مفتوحة دون سقف زمنى يمكن التنبؤ به أو حدود معلومة تقف عندها، وفيها أيضا تتجاوز تل أبيب كل الأعراف والقيود التى سبق وحددت علاقاتها بدول الإقليم سواء الصديقة أو العدوة لها.

 

الهجوم على قطر أيا كانت مبرراته هو أول اعتداء من قبل إسرائيل على دولة خليجية لا تناصبها العداء مثل إيران التى اغتالت إسرائيل زعيم حماس إسماعيل هنية على أراضيها، وإنما تقوم بدور أساسى فى الوساطة بينها وبين حماس، فضلا عن أن بها قواعد عسكرية أمريكية، وفى مقدمتها قاعدة «العُديد» الجوية وهى من أكبر المراكز فى المنطقة،

لذلك ظل الحدث محط اهتمام الاعلام الدولى تتناوله كبريات الصحف العالمية، حيث اعتبرته الواشنطن بوست «زلزال كبير» و«خطأ تكتيكي» خاصة أنه فشل فى اغتيال كبار قادة الحركة، لكنه دمر إحدى القنوات القليلة المتبقية لوقف الحرب، مثلما شبهته نيويورك تايمز بحرب الـ12 يوما ضد طهران التى اتخذت فيها الحكومة الإسرائيلية قرارا منفردا دون التنسيق المبكر مع الإدارة الأمريكية، وإن فسرت ذلك بعلمها أن الأمر سيمر دون أدنى عقوبة.

فإدارة ترامب لم تُظهر موقفا صلبا لإدانة السلوك الإسرائيلي، صحيح أن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت قالت «إن ما حدث من شأنه أن يمنع الصفقة التى قدمها الرئيس ترامب والتى تطالب بالإفراج الفورى عن جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، إلا أنها لم تُدن إسرائيل،

وفى تصريحات أكثر وضوحا لمسئولين أمريكيين لشبكة «سى إن إن» تم إلقاء اللوم على قطر، باعتبار أنها سبق ووافقت على إخراج قادة حماس، لكنه وعد لم يتحقق، وفى السياق نفسه، حذر وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو، «بأن حماس لديها مهلة قصيرة جدا لقبول شروط وقف إطلاق النار، قد تكون أياما أو بضعة أسابيع وليس شهورا وأنه يتوقع من القيادة القطرية إنجاز هذه المهمة».

فى الوقت نفسه استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو»، ضد مشروع قرار فى مجلس الأمن يطالب بوقف فورى وغير مشروط ودائم لإطلاق النارفى قطاع غزة، ويدعو إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والذى تقدمت به الدول غير دائمة العضوية بالمجلس، وكلها دلالات على تماهى الموقفين الأمريكى والإسرائيلى حتى وإن اختلفت التفاصيل، وبالنسبة لقطر فالفارق الوحيد هو أن العلاقات بينها وبين الدولة العبرية أشد تعقيدا من تلك التى تربطها بالجانب الأمريكي، إذ لا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية، ولكن لسنوات نمت العلاقات بينهما خلف الكواليس بصورة ملحوظة قبل أن تتدهور فى الآونة الأخيرة بسبب حرب غزة، واتهامها لها بإيواء قيادات وكوادر حماس وعدم ممارستها ضغوط فعلية أو كافية عليها، ولهذا السبب اعتبرت أن توجيه ضربة لها يستحق المخاطرة.

وبغض النظر عن كل ذلك يبقى السؤال الأهم، هل حقا شعرت إسرائيل بخسارتها للمسار التفاوضى، أم أنه إجراء مقصود لقطع الطريق عن هذا المسار أصلا لتنفيذ سيناريو أخر مناقض له، خاصة أن رئيس حكومتها نيتانياهو لم يستبعد تكرار هجومه عليها، بتأكيده مواصلة استهداف قيادات حماس أينما وجدوا؟.

لاتزال تداعيات السابع من أكتوبر هى المحرك الوحيد للسياسة الخارجية الإسرائيلية التى لم تتبدل فيها أهدافها، من ضرورة القضاء على حماس والسيطرة على غزة، رغم مرور عامين عليها، ولاشك أن حكومة نيتانياهو تصر على الخيار العسكرى الذى تحقق فيه تفوقا هائلا، ومازالت قادرة على تحقيق المزيد من النجاحات على هذا الصعيد بخلاف الحلول السياسية والدبلوماسية، التى تعتبرها عبئا على استراتيجيتها الراهنة التى تبغى من خلالها تغيير وجه الشرق الأوسط، وهى سياسة تحظى بتأييد أغلبية الإسرائيليين الذين يؤيدون الأعمال العسكرية الانتقامية، حتى إنهم لم ينتقدوا الهجوم على قطر التى كانت تعمل على التوصل لحل سلمى يعيد الرهائن، وفق آخر استبيان أجرته بعض مراكز استطلاع الرأى العبرية، وهو مؤشر على أن هذه القضية لم تعد تشكل أولوية مقارنة بالرغبة العارمة فى الانتصار فى الحرب.

لا جدال فى أن إسرائيل تستفيد اليوم، بما حققته من هزيمة لمحور الممانعة الذى تتزعمه إيران، من حزب الله فى لبنان إلى جماعة الحوثى فى اليمن مرورا بالميلشيات المسلحة الموالية للجمهورية الاسلامية فى سوريا والعراق، بعد الضربات الموجعة التى وجهتها له، ومن ثم بدأت فى تنفيذ مخططها فى احتلال غزة فور انتهائها من عملية الدوحة.

فعملية الاجتياح البرى الجارية الآن تُعد الأخطر منذ بدء الحرب، وهو ما أكده نيتانياهو بقوله «إن قواته بدأت عملية عسكرية متصاعدة فى غزة وأن جيشه وصل إلى مرحلة الحسم، وسيواصل عملياته طالما كان ذلك ضروريا للقضاء على حماس» حسب ما نقلته هيئة البث الاسرائيلية، ومن قبله أعلن وزير دفاعه يسرائيل كاتس، فى منشور له على «تلجرام» أن الجيش الاسرائيلى يقاتل لتهيئة الظروف لاستعادة الرهائن وهزيمة حماس الذين يقدر أعداد مقاتليها المتبقين فى المدينة بثلاثة آلاف عنصر»، ومن جهته أفاد المتحدث باسمه أفيجاى أدرعى على منصة « إكس» بأن مدينة غزة تعتبر منطقة قتال خطيرة وأن 40% من سكانها نزحوا جنوبا فى أكبر عملية نزوح جماعى توطئة لتهجيرهم، الأمر الذى أكدته وكالة غوث اللاجئين «لأونروا».

كل هذه التطورات لا تحدث مصادفة، فاعتداؤها على الدوحة مرتبط باجتياحها البرى لغزة، وإدارة ظهرها للمفاوضات ورفضها لوقف إطلاق الناروجميع الحلول الدبلوماسية وآخرها إعلان نيويورك حل الدولتين الذى تتبناه الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الحالية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية