تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ماذا بقى من حل الدولتين؟

مع الفظائع التى تجرى فى غزة, يدور الحديث حول كيفية الخروج من هذا المأزق, صحيح أن حركة حماس لم تنسق مع أى طرف عربى قبل القيام بعمليتها النوعية يوم 7 أكتوبر والتى أحدثت صدمة لاسرائيل بكل المعايير, وصحيح أيضا أنها تتحمل الجزء الأكبر من أسباب الانقسام الفلسطينى الفلسطينى، بانفرادها بحكم قطاع غزة منذ 2007, الذى رسخ لارتباطها بإيران, إلا أن رد الفعل الانتقامى غير المسبوق فى عنفه واستمراريته من قبل الدولة العبرية, يوجب البحث عن الحلول الممكنة لوقف الحرب وليس فقط هدنة مؤقتة, فالحرب فى النهاية هى عرض من أعراض عدم تسوية القضية الفلسطينية بشكل نهائى.

 

لا أحد ينتظر من الناحية الواقعية, أن يتغير ميزان القوة على الأرض الذى هو فى مصلحة إسرائيل, مؤيدة بدعم لا محدود من الولايات المتحدة وكبريات الدول الأوروبية, فواشنطن قدمت لها كل دعم ممكن عسكريا واقتصاديا وسياسيا, واعتبرت عملية حماس من العمليات الارهابية, وتمثل تهديدا وجوديا لها, لأنها لا تعترف بها فى الأصل, وبالتالى فإسرائيل فى حالة دفاع دائم عن النفس, وهذه النظرة لن تتغير وستظل ثابتة فى الذهنية الغربية, وأقصى ما يمكن توقعه من الجانبين الأمريكى والأوروبى فى الوقت الراهن هو بعض المواقف الانسانية لإنقاذ المدنيين, وهو لا يُغير من طريقة إدراكه لطبيعة الصراع ورؤيته السياسية له, والمنحازة للرؤية الإسرائيلية, وهو أمر لا يمكن تجاهله عند الحديث عن أى تسوية محتملة.

ولكن رغم ذلك, فأمريكا ستظل هى الوسيط الدولى الرئيسى لحل هذا الصراع المتجذر, وهى ومعها حلفاؤها الأوروبيون والمؤسسات الدولية الغربية, هم الذين يقدمون النصيب الأكبر من المساعدات المالية والاقتصادية والاغاثية للفلسطينيين, بما لا يُقارن بدور روسيا والصين اللتين لم يكن لهما أى وجود ملموس حتى فى ذروة الأحداث الدامية الأخيرة.

فى هذا السياق, وبعد أن زادت وتيرة الحرب بين إسرائيل وحماس, عاد الحديث مرة أخرى عن حل «الدولتين», وجدد الرئيس الأمريكى بايدن, التزام بلاده بضرورة إقامة دولة فلسطينية، بل وقال إنه «مهما تكن الصعوبات فعلينا أن نواصل السعى من أجل احلال السلام وإيجاد مسار يُمكن الاسرائيليين والفلسطينيين من العيش بأمان», و أضاف أن هذا يعنى بالنسبة له «حل الدولتين». غير أن هذا المصطلح الذى تم تداوله منذ عقود, لم يجد طريقه للتطبيق, رغم أنه يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 242 الذى صدر عقب حرب 1967 التى استولت فيها إسرائيل على الضفة الغربية وغزة, ضمن أراض عربية أخرى, ونص على انسحابها من الأراضى التى احتلتها والسماح للفلسطينيين بإقامة دولة خاصة بهم, وهكذا تدعمت فكرة «الدولتين» بمرور الأعوام, وكانت محورا لمعظم القرارات الدولية التى صدرت بعد ذلك, وجاءت الانتفاضتان الفلسطينيتان لتؤكدا الحاجة الملحة للاسراع بتنفيذ هذا الحل كحق مشروع للفلسطينيين وهو نفس ما تضمنته إتفاقيات أوسلو 1993 التى قامت على الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل, وبموجبها تأسست السلطة الفلسطينية. وبموجب «أوسلو» تم الاتفاق على أن تُقام السلطة الفلسطينية أولا فى «غزة وأريجا» كمرحلة انتقالية تمتد بعدها تدريجيا إلى مناطق اضافية فى الضفة الغربية, كما تم الاتفاق على تأجيل البحث فى قضايا الوضع النهائى, أى القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والترتيبات الأمنية, لمدة ثلاث سنوات من قيام السلطة الانتقالية, وعامين بعدها للانتهاء من المفاوضات حولها, كجدول زمنى, أى بحلول 1999, وهو ما لم يتحقق, وكل ما حدث كان انسحاب إسرائيل من غزة فى 2005 ضمن ما يعرف بـ«خطة فك الارتباط الأحادية الجانب» .

ومع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس, والاعتراف بها كعاصمة موحدة لإسرائيل خلال فترة ولاية ترامب, واسقاط قضية حق العودة للاجئين, مقابل التعويض المادى, وهى من قضايا الحل النهائى, تجمد الوضع, إذ إن معظم التفاصيل المتعلقة بامكان قيام دولة متصلة جغرافيا وقابلة للحياة, بقيت محل نزاع مزمن, فالجانب الاسرائيلى لم يعترف يوما بالانسحاب من كل الأراضى المحتلة, وأقر فقط بفكرة «أراض» لم يحددها بالضبط للانسحاب منها لتقوم عليها الدولة, وظلت البقعة الجفرافية للدولة الفلسطينية المفترضة غير محددة المعالم, ومن هنا طُرحت فكرة تبادل الأراضى, بحيث يُستبدل جزء من أراضى الضفة الغربية الواقعة داخل الخط الأخضر (أى حدود 1967) بأراض أخرى تكاد تخلو من السكان تقع فى صحراء النقب وبالقرب من قطاع غزة وسيناء, بنسبة 3% من المساحة الكلية, ما يُمكن إسرائيل من الاحتفاط بالكتل الاستيطانية الكبيرة بذريعة صعوبة تفكيكها, وهى أطروحات قديمة يتم تجديدها عند كل محادثات سلام.

والواقع أن الجانب الفلسطينى أظهر استعدادا للقبول بهذا الطرح مبدئيا خلال المفاوضات, ولكن ثار الخلاف حول المساحة, ليكون البديل مساويا فى الحجم وطبيعة الأرض بما قد تحمله من ثروات طبيعية, للأراضى المستبدلة, وأخيرا كانت قضية السيادة وما إذا كانت الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح فى البداية لفترة مؤقتة, أما العقبة الرئيسية على الجانب الفلسطينى, فتمثلت فى انفصال غزة عن الضفة، ما قلص من المساحة الكلية للدولة المستقبلية. والمعنى المستخلص أن التفاوض حول الضفة قطع شوطا لا بأس به كان يمكن البناء عليه, لكن الوضع بعد اندلاع الحرب, المرجح أن تطول لصعوبة تحقيق أهدافها بالقضاء على حماس, أصبح أكثر تعقيدا, ولو حدث أن انتصرت فيها اسرائيل, فقد يغريها ذلك بمزيد من المماطلة والمضى فى مشروعها التوسعى بالتهام شمال غزة, فهل وقتها سيُمكن إحياء حل الدولتين, باعتباره الحل الأفضل للجميع؟ وبأى شروط؟

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية