تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ما بعد «الطوفان»
ستظل لعملية «طوفان الأقصى» التى شنتها حركة حماس على إسرائيل, تداعياتها الخطيرة التى تتجاوز حدودها الجغرافية, لتنعكس على المنطقة برمتها, إذ لم يُقتل هذا العدد الهائل من المدنيين الإسرائيليين فى يوم واحد منذ عقود طويلة, وهو ما يفسر رد فعلها العنيف على غزة والمعاقبة الجماعية لسكانها, وتصميمها على إعادة هيكلة القطاع بصورة جذرية, ربما تُفضى لتهجير معظم مواطنيه سعيا لتدمير البنية التحتية لحماس والقضاء على الفصائل المتعاونة معها, فكل ما يعنيها الآن هو محو آثار تلك الصفعة القوية التى تلقتها واستعادة قدرتها على الردع, وحماية أمنها, دون النظر إلى الأسباب الجوهرية التى أدت إلى تأجيج هذا الصراع والحروب المتكررة التى قاد إليها, والمتمثلة فى فشل الوصول إلى حل نهائى له وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة فى إقامة دولتهم المستقلة.
لذا سيستمر مسلسل العنف, مادامت التسوية السياسية غائبة, وحتما ستتحمل الحكومة اليمينية التى يتزعمها نيتانياهو والتى قوضت مشاريع السلام وإنهاء النزاع, مسئوليتها عما آلت إليه الأوضاع, بل وفشلها حتى فى تأمين الحماية لشعبها, والشواهد تشير إلى أن نيتاتياهو انتهى سياسيا ليلحق بأسلافه, كجولدا مائير التى استقالت بعد حرب أكتوبر, ومناحم بيجين اثر اجتياح بيروت 1982, واسحق شامير بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر الثمانينيات, وإيهود أولمرت بعد اخفاقه فى اجتياح لبنان 2006. ولكن, وعلى الجانب الآخر فإن فى سياسات حماس وارتباطاتها الاقليمية وتحديدا مع إيران مايستحق التوقف عنده ومناقشته موضوعيا بعيدا عن اللغة الحماسية والعاطفية, فالنصر الذى تحقق لها يوم السابع من أكتوبر لم يمتد سوى لساعات قليلة, ليتحول الوضع إلى هذه المشاهد المروعة والحزينة التى تبثها يوميا وسائل الاعلام, عن المعاناة الجسيمة التى يعيشها القطاع, بحيث بات تقديم المساعدات الانسانية العاجلة له, هو الشغل الشاغل للجميع, وطغى تماما على الحديث عن القضبة الوطنية ذاتها, والتى من المؤكد أنها ستتراجع لفترة طويلة قادمة, فهل ما قامت به كان خطوة فى الاتجاه الصحيح؟
جميع المؤشرات تشير إلى أن حماس لن يُقبل بها دوليا, ولن تكون طرفا فى أى معادلة سياسية مستقبلا, خاصة بعد أن ألصقت بها صفة «داعش» المرادفة لمعانى الرعب والعنف,, والواقع أن أيديولوجيتها نفسها لا تعطى مجالا لتبنى أى خيار يتعلق بالتسوية السلمية, فهى لا تعترف بإسرائيل, وأنه لا وجود لمدنيين إسرائيليين, فكل مواطن فيها هو جندى فى ميدان المعركة, يمكن أن يصبح هدفا للعمليات المسلحة, ولذلك لم يكن غريبا أن ترفض الاعتراف باتفاق أوسلو الذى أدى إلى نشأة السلطة الفلسطينية, ومهد الطريق لحل «الدولتين» وأقر بمبدأ المفاوضات السلمية, التى سعت قياداتها لإفشالها, بل وأوقفت أى حوار مع حكومة الوحدة الوطنية إلى أن استولت على غزة بقوة السلاح فى 2007 لينفجر الصراع الفلسطينى ـــ فلسطينى وتنفصل غزة عن الضفة الغربية, وهو الانقسام الأخطر الذى لم تستفد منه سوى تل أبيب وتتخذه ذريعة لغلق باب الحلول السلمية وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. ومن ثم فإن أهدافها من عملية «الأقصى» ظلت ملتبسة, فهل هى لتحرير الأرض وبالتالى سيطول أمدها, أم هى إستراتيجية قصيرة الأمد لمجرد النيل من هيبة العدو وهز قوته على الردع لحظيا, بتكبيده أقصى قدر من الخسائر, أم تحسين موقعها على حساب السلطة الفلسطينية, أم خدمة الأجندة الاقليمية لطهران, لعرقلة عمليات التطبيع فى المنطقة مع إسرائيل؟
ليس خافيا أن نظام الجمهورية الإسلامية, يعارض علنا مسارات السلام العربى الإسرائيلى. من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979, وأوسلو الفلسطينية 1993, ووادى عربة الأردنية 1994, وأخيرا اتفاقيات «إبراهام, وهى معارضة يحاول من خلالها كسب قطاع من الرأى العام العربى لتقبل مشروعه الإقليمى التوسعى وإسباغ نوع من المشروعية عليه, ومن هنا كانت القضية الفلسطينية حاضرة دائما فى سياساته الشرق أوسطية, وورقة لا غنى عنها لتقوية نفوذه, ومن هنا دعم ومول ما يسمى بمحور «الممانعة». ولا شك فى أن إيران حققت مكاسب يُعتد بها إقليميا فى سوريا والعراق ولبنان واليمن, وخاضت العديد من الحروب بالوكالة, ولكن هذه المكاسب لم تكن كاملة, فأغلب هذه الحالات تنازعها فيها القوى الكبرى وتُحد من نفوذها فيها, كما تعثرت مفاوضاتها مع واشنطن بشأن برنامجها النووى, وفى الحالتين تعانى الجمود فى سياساتها, وهو ما ضاعف من تمسكها بالورقة الفلسطينية لاستعادة الوهج نسبيا لها, ولكن دون المضى فى الشوط للنهاية حتى لا تخسر جانبها الواقعى والبراجماتى. فمنذ بداية حرب غزة, بعثت طهران برسائل متناقضة, إذ أظهرت اهتماما بالغا بها, وهو ما بدا من الزيارات المكوكية لوزير خارجيتها وتصريحاته بضرورة توحيد جبهات المقاومة, التى تزامنت مع إطلاق صواريخ حزب الله على بعض المواقع الاسرائيلية, وتبعه الحوثى أخيرا, وإن كانت قدراتها لا تقارن بآلة الحرب العسكرية الضخمة للدولة العبرية, ولكنها أسباب أعطت انطباعا باحتمال اتساع دائرة الحرب, ودخولها هى وحلفاؤها طرفا فيها, إلا أن ممثلها فى الأمم المتحدة حسم هذا الجدل بقوله «إن بلاده لن تدخل الحرب مالم تتعرض مصالحها المباشرة للاعتداء» , وهو ما دعا الرئيس الأمريكى بايدن للتصريح بـ«أنه لا يوجد دليل على أنها داخلة فى الحرب» بعد ان سبق وحذرها من استمرار دعمها لحماس وحزب الله.
هذا التناقض الإيرانى قد يؤدى إلى تصدع محور الممانعة بعد أن يفقد زخمه, وأيضا بحكم توازن القوى على الأرض, والحل الحقيقى للقضية الفلسطينية لن يكون إلا من خلال التسوية السلمية, وتغليب سياسة الاعتدال, ونزع هذه الورقة من يد كل من يحاول اختطافها لمصلحته الخاصة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية