تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
دور محورى للسعودية
فى خطوة رمزية، جاءت أولى زيارات الرئيس الأمريكى ترامب الخارجية فى ولايته الثانية إلى السعودية، كما فعل فى ولايته السابقة بزيارته لها عام 2017، ولا شك أن تكرار اختيارها كأول وجهة خارجية له، هى رسالة واضحة على محورية دورها فى رؤيته للمنطقة، وأنها لم تعد مجرد حليف بل شريك أساسى لبلاده فى صياغة ملامح النظام الإقليمي، لذا لم يلق خطابا عاما أو خاصا بالعلاقات الثنائية، وإنما استهل كلمته بقوله «جئت إلى الرياض للحديث عن مستقبل مشرق للشرق الأوسط».
والواقع أن الفارق الزمنى بين الزيارتين لا يعكس تغيرا فى الأهداف، ولكن فقط فى نوعية التحديات التى تفرض نفسها فى المرحلة الحالية، إذ تقف المنطقة برمتها على أعتاب تغييرات هائلة فى لحظة مفصلية، بعد اندلاع حرب غزة، وما أسفرت عنه من تداعيات طالت بصورة أساسية إيران وسوريا ولبنان، ويبدو ترامب عازما على إعادة رسم خريطة العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية بقواعد جديدة تبدأ هذه المرة من المملكة.
فعلى الرغم من أن ملفات الاستثمار والاقتصاد والسلاح وأمن الطاقة العالمى كانت حاضرة بقوة وتم عقد صفقات بمليارات الدولارات بشأنها، إلا أن السياسة ظلت فى صدارة المشهد، وكانت إيران على رأس الأولويات، حيث انتقد سياساتها التى أدت إلى إفقار شعبها قائلا «هناك من حول الصحارى إلى مزارع، مثل السعودية، على النقيض ممن حول المزارع إلى صحاري» فى إشارة إليها، ثم استدرك بالقول «أنا لست هنا لإدانة ما فعلته سابقا، لكن لأعرض عليها مسارا جديدا».
وهو نهج يُعد براجماتيا إلى حد ما، بعكس سياسته المتشددة تجاهها أثناء ولايته الأولى التى انسحب فيها من الاتفاق النووى من جانب واحد، بدليل موافقته الآن على استئناف المفاوضات حوله وتجديد المسار الدبلوماسى تجنبا للمواجهة العسكرية المباشرة معها، إلا أن ذلك لا يعنى اعتماده هذا النهج على إطلاقه، فهناك شروط صارمة يضعها من أجل إنجاح تلك المفاوضات، وأهمها وقف تخصيب اليورانيوم نهائيا، وربط أى اتفاق بآليات مراقبة وقيود مشددة على منظومة صواريخها الباليستية وكذلك أنشطتها العسكرية عبر وكلائها فى المنطقة، لذلك خاطب قياداتها سعيا لإقناعهم بالتخلى سلميا عن هذا المشروع، انطلاقا من موقفه الثابت الذى لم يحد عنه، بضرورة تخليها التام عنه، وبحسب تعبيره «لن تحوز طهران سلاحا نوويا أبدا، وأريد عقد صفقة معها ليصبح العالم أكثر أمنا».
بعبارة أخرى يشعر الرئيس الأمريكى أن بمقدوره إقناع الجمهورية الإسلامية بالتفكير بشكل مختلف، والمضى نحو التغيير الجذرى لسياساتها داخليا وخارجيا، والكف عن تدخلاتها فى الصراعات الإقليمية بالوكالة، ومن ثم يعطيها الفرصة الأخيرة لمراجعة سلوكها.
والواضح أنه يراهن فى تحقيق هذا الهدف على عنصرين أساسيين، أولهما ما يتعلق بالضربات القاصمة التى تعرض لها وكلاؤها، وسلسلة الاغتيالات التى أصابت زعاماتهم، ما شكل هزيمة لها، فهى الآن أشد عزلة عما كانت عليه إبان ولايته الأولي، وثانيهما، هو توافق الدول الخليجية حول خطورة سياساتها العدوانية والتوسعية على أمن الخليج عموما، فيما يشبه الإجماع، وهما عاملان أراد ترامب استثمارهما وتوظيفهما لإجبارها على تقديم مزيد من التنازلات فى المحادثات غير المباشرة الجارية حاليا بينهما بخصوص برنامجها النووي. أما الحدث الأهم فكان إعلانه رفع العقوبات التى فرضت على سوريا الأسد، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، ما يعنى إعترافا بالحكم الانتقالى الحالي، وهو متغير شديد الأهمية، لأنه سيُبدل كثيرا من المعادلات والتحالفات السياسية فى المنطقة، ويُحولها من عدو لواشنطن إلى صديق، ما يقطع الطريق على عودة النفوذ الإيرانى والروسى فيها، وهو مكسب فى حد ذاته، ولم يكن ليتحقق إلا بعد تأكد الولايات المتحدة من أن دمشق لن تهدد أمن إسرائيل تمهيدا للتطبيع معها.
ولعبت السعودية بجانب تركيا دورا رئيسيا لا يمكن تجاهله، فى دفع الإدارة الأمريكية لتبنى سياسة منفتحة، لا تحاسب النظام الحالى عما اقترفه سلفه، وأن تعطى القيادة الجديدة لأحمد الشرع الفرصة لتغيير السياسات القديمة، وهو الأمر الذى أخذ به ترامب، ويدلل على مدى التأثير الذى تمارسه المملكة فى إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية. لا جدال فى أن هدف ترامب الأبعد يتجه إلى ضمها لـ«اتفاقيات إبراهيم للسلام» وهى المعاهدات التى أشرف هو نفسه عليها، وأنجزت فى 2020 وشملت كلا من الإمارات والبحرين، وافترضت أن يتم توسيعها لاحقا، وكانت هى المرة الأولى التى توقع فيها دول عربية معاهدات سلام مع إسرائيل منذ أن وقع الأردن اتفاقية وادى عربة 1994 ومن قبلها المعاهدة المصرية فى 1979، وهو الهدف الذى أفصح عنه فى حديثه خلال منتدى الاستثمار السعودى الأمريكي، والذى دعاها فيه علنا للانضمام لتلك الاتفاقيات، ووصفه بـ«أنه سيكون أمرا بالغ الأهمية لمستقبل الشرق الأوسط»، وأضاف أنه يتفهم أن يأتى ذلك وفقا لـ«توقيتها الخاص».
لكن المعضلة هنا هو اشتراط القيادة السعودية أن ترتبط هذه الخطوة بإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، يقوم على حل الدولتين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة التى تنص على الانسحاب من الأراضى التى احتلت عام 1967، وهو شرط بات تحقيقه صعبا نظرا لتعنت الدولة العبرية وإصرارها على وضع أسس جديدة للتسوية تبتعد عن هذه الرؤية بعد عملية السابع من أكتوبر. ربما هذا هو سبب الخلاف بين الجانبين الأمريكى والإسرائيلي، والذى ظهر إلى العلن، تحديدا بعدما تجاهل ترامب زيارة تل أبيب فى جولته التى ركز فيها فقط على الخليج، والتى فُسرت من قبل حكومتها على أنها نوع من الضغط عليها.
إلا أن ذلك لا يعنى أن أمريكا ليست لديها تحفظات على تواجد حركة حماس فى قطاع غزة، وهى نقطة تتقاسمها مع إسرائيل بقوة، فترامب رافض تماما لها، وهو صاحب فكرة تهجير سكانه ونقلهم لدول أخرى أوروبية أو عربية، لإعادة إعماره، وإخضاعه لسيطرتها. فى كل الأحوال، ما زالت تصعب المراهنة على التحولات الجذرية فى جميع تلك الملفات الشائكة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية