تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ترامب و«ريفييرا» غزة

الصخب المصاحب لتصريحات الرئيس الأمريكى ترامب، يتوافق تماما مع شخصيته المثيرة للجدل والتى يصعب التنبؤ بسلوكها، لذا قد يراها البعض مجرد مُعبر عن ظاهرة صوتية يجب ألا تؤخذ أقواله بجدية، ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فعلى الرغم من غرابة كثير من آرائه وخروجها عن المألوف، إلا أنها لا تعنى عدم جديته فى تطبيقها، بدليل توقيعه فور تنصيبه عشرات القرارات التنفيذية التى ألغت وتجاوزت العديد من سياسات سلفه، ناهيك عن انسحابه من منظمة الصحة العالمية، وإتفاقية باريس للمناخ، وفرضه عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.

فى إطار هذه المؤشرات، يمكن قراءة مقترحاته الخاصة بالشرق الأوسط عموما وفلسطين تحديدا، لأنها ستعكس حتما مواقفه وسياساته خلال السنوات الأربع القادمة، والتى من المتوقع أن تميل إلى استخدامه أقصى درجة من الضغوط.

ولا شك أن أخطر ما ذهب إليه، هو ما يتعلق بدعوته لتهجير سكان قطاع غزة، إلى الدول المجاورة، بشكل دائم، ليُعاد توطينهم فيها، بدعوى أنهم سيعيشون بذلك حياة أكثر أمانا بعيدا عن الدمار الذى لحق بهم.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل أفصح صراحة عن نيته فى أن تتولى الولايات المتحدة قيادة عملية إعادة إعمار غزة وهدم ما تبقى فيها من مبان وأنفاق، والتى ستستغرق سنوات، لتمتلكها فى النهاية بعد أن تتسلمها من إسرائيل، وأنه بامتلاكها لقطعة الأرض هذه، سيعمل على تطويرها وخلق الآلاف من فرص العمل، ضمن مشروع تنموى ضخم، سيحولها إلى «ريفييرا» المنطقة، والذى وصفته المتحدثة باسم البيت الأبيض بأنه سيكون واحدا من أعظم مشاريع التنمية فى العالم، كما أشار إلى إمكان منح دول شرق أوسطية أجزاء منها للمساهمة فى إعادة إعمارها.

وفى تعليقه على هذا المقترح، صرح وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث لـ«وول ستريت جورنال» بـ«أن البنتاجون يعمل على دراسة كل الخيارات وعلى استعداد لتنفيذ أى منها، لأنها تعبر عن أفكار جريئة خارج الصندوق، وستؤدى لحل المشاكل المستعصية والمزمنة.

تصريحات ترامب امتدت إلى الضفة الغربية، لمنح الدولة اليهودية السيادة عليها، ضمن مشروعها التوسعى، كخطوة لاحقة،، وهو القرار المفترض أن يعلنه، خلال الأسابيع القادمة، وفقا لنيويورك تايمز، وخلال لقائه بالعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى بالبيت الأبيض، عاد وأكد أن هذا الأمر سيتحقق، واللافت أن هناك بالتزامن مشروع قانون قدمه مشرعون جمهوريون لمجلس النواب، لحظر استخدام مصطلح الضفة الغربية فى الوثائق الحكومية الأمريكية، واستبداله بالتسمية التوراتية لها وهى«يهودا والسامرة». ما دعا صحيفة واشنطن بوست ذات الميول الديمقراطية، والمعروفة بانحيازها السياسى والأيديولوجى ضد الحزب الجمهورى، لاختيار عنوان مثير لتقريرها المهم حول هذه التطورات وضعته فى صيغة استفهامية، «هل سيتم إلغاء فلسطين من النهر إلى البحر؟» ورغم ذلك، فهو سؤال مثار بقوة لأنه يتعلق بمستقبل «حل الدولتين» الذى تحيطه الكثير من الشكوك بصيغته المطروحة عربيا وفلسطينيا.

يعزز من ذلك مراوغة رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو فى رده على مدى موافقته على هذا الحل، أثناء حديثه مع قناة 14 العبرية، بقوله إن الدولة الفلسطينية كانت مقامة فعليا فى غزة ولكنها لم تؤد إلا إلى عملية السابع من أكتوبر،التى نعتها بـ«الارهابية»، والتى تسببت فى أكبر مذبحة فى تاريخ دولته، وأضاف أنه «لا مستقبل للسلام فى الشرق الأوسط طالما بقيت حماس»، وأنه عرض خطته لانهاء الحرب على الإدارة الأمريكية، بإطلاق سراح الأسرى الذين لم يوافق عليهم فى المرحلة الأولى من صفقة التبادل، التى تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار، مقابل مغادرة كبار مسئولى الحركة لخارج القطاع. من هنا، بدأ يماطل فى الانتقال إلى مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، بل أصر على أن تقتصر على استكمال المرحلة الأولى وربما تمديدها. والواقع أن هذا الموقف لا يُعد مفاجئا، لأن المعضلة الحقيقية تكمن فى المرحلة الثانية، كونها تشتمل على المفاوضات السياسية الأصعب لإنهاء الحرب والترتيبات الأمنية المصاحبة لها، ومصير حماس، ومن سيحكم غزة، وطبيعة الدور الذى يمكن أن تلعبه سلطة رام الله، والأهم على أى أساس ستنسحب القوات الإسرائيلية منها، ووفق أى شروط، وهذه كلها قضايا غير متوافق عليها، وبدونها لا يمكن الانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخيرة التى تختص فقط بإعادة الإعمار.

مقترح ترامب الذى عكس رؤيته لمستقبل غزة، مرتهن إما بالاسراع فى تسوية هذه القضايا بالتفاوض، أو أن تُستأنف الحرب لفرض واقع جديد على الأرض أشد صعوبة لسكان القطاع، لتصبح الحياة فيه غير ممكنة، وبالتالى القبول به ضمن صفقة إقليمية شاملة، خاصة بعد أن صرح نيتانياهو لموقع «إكسيوس» بأن «خطة ترامب لإجلاء غزة، هى خطة اليوم التالى». لا جدال أن هناك كثيرا من التحديات أمام تنفيذ هذا السيناريو، بعد ردود الفعل الغاضبة من الدول العربية المعنية، والتى أعلنت رفضها له، وموقف مصر واضح، باعتبار ما سيؤدى إليه من تقويض مبدأ قيام دولة فلسطينية مستقبلية، وكذلك الأردن، يضاف إلى ذلك الموقف الثابت للسعودية بعدم عقد اتفاقية سلام والتطبيع مع إسرائيل ما لم يتم الإقراربحل الدولتين. فى المقابل، مازال ترامب يواصل التصعيد، إذ هدد بقطع المساعدات عن الدول الحليفة، وتوعد حماس بـ«الجحيم» وإلغاء الهدنة، وفى هذا السياق دعاها أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، «للتنحى» حفاظا على مصلحة القضية الفلسطينية. باختصار، فإن أفكار التهجير والتوطين كانت دوما مطروحة إسرائيليا، من خطة آلون إلى مشروع المثلث الذهبى لشيمون بيريز الذى طرح تحويل غزة إلى «سنغافورة» أخرى، وكلها لم تتحقق، الجديد هو أن يتبناها الرئيس الأمريكى، فهل فى مقدوره أن يحققها الآن؟!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية