تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

بين النصر و الهزيمة

أخيرا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلى وحزب الله بوساطة أمريكية، وأعلن رئيس الولايات المتحدة المنتهية ولايته بايدن أنه يهدف إلى إنهاء العمليات القتالية بشكل دائم بين الجانبين خلال 60 يوما، وقد حظى الاتفاق بترحيب ملحوظ من رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتى، إلا أنه برغم هذه المؤشرات الإيجابية، فمازالت هناك تساؤلات كثيرة حوله، من المنتصر، ومن قدم تنازلات أكبر، وهل يمكن له أن يصمد، وكيف سيكون المستقبل؟. بحسب وكالة رويترز، تضمن الاتفاق 13 بندا، من أهمها أن تتوقف إسرائيل عن تنفيذ أى عمليات عسكرية ضد الأراضى اللبنانية، واستهداف المواقع المدنية والعسكرية ومؤسسات الدولة برا وجوا وبحرا، مقابل أن توقف كل الجماعات المسلحة، والمقصود بها حزب الله وحلفاؤه، جميع عملياتها القتالية الموجهة ضد الدولة العبرية، وأن تنسحب الأخيرة تدريجيا من جنوب لبنان فى الوقت الذى ينسحب فيه الحزب ومسلحوه شمال نهر الليطانى، بما يبعده بنحو 30 كيلو مترا أو يزيد لتصل الجماعات المسلحة إلى أقصى نقطة تفصلها عن الجنوب الإسرائيلى، ويتزامن مع ذلك بدء عودة النازحين من الجانبين إلى ديارهم، وأن ينشر الجيش اللبنانى قواته فى 33 موقعاً، جنوب الليطانى.

كذلك تضمن آلية للمراقبة عن تنفيذه تتكون من قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة، إضافة للجيشين الإسرائيلى واللبنانى، على أن يجرى توسيعها لتضم واشنطن وباريس، وقوة متعددة الجنسيات، ترأسها الأولى.

باختصار، سُيوكل للدولة اللبنانية، بجانب تلك القوى الدولية، المهمة الرئيسية فى الإشراف الكامل، وبصورة أكثر صرامة، على تحركات حزب الله، وضمان عدم إعادة تمويله و تسليحه من قبل طهران، ومن ثم منع عودته لعملياته العسكرية الموازية للجيش النظامى الذى يستعد الآن لنشر قواته تدريجيا فى المنطقة الجنوبية، وهى مهمة صعبة فى ظل الضعف المزمن لها، خاصة أن الحزب يشكل جزءا رئيسيا، إن لم يكن غالبا، فى معادلة الحكم، كما أنه سبق أن عُقد تفاهمات مشابهة عقب حرب 2006 إلا انه لم يلتزم بها.

لكن، على الرغم من ذلك، هذا لا يعنى عودة عجلة الزمن للوراء، أو أن يعيد التاريخ نفسه، لأن الظروف الحالية مختلفة تماما عن كل ما ساد طوال العقود الماضية، فحزب الله اليوم ليس هو نفسه الذى كان من قبل اشتعال الحرب الأخيرة، فقد دُمرت قدراته البشرية والتسليحية، وطالت الاغتيالات الممنهجة زعيمه التاريخى ومعه كبار قاداته السياسيين والعسكريين، وتم اختراقه أمنيا ومخابراتيا، وسقطت بالتوازى معظم الشعارات التى رفعها لسنوات ولم يتمكن من الصمود أمام الآلة العسكرية الضخمة لإسرائيل وتفوقها التكنولوجى الهائل، واضطر لفك الإرتباط بغزة، ليُنهى بذلك جبهة الاسناد ووحدة الساحات، كما فشل فى منعها من تحقيق «الانتصار» مثلما وعد مرارا وتكرارا، وأوقع بلده فى خضم حرب مدمرة لم تكن يقينا مستعدة لها أو قادرة عليها، بالاضافة إلى أن إيران وهى مُنشئته والداعم الرئيسى له، لم يعد فى استطاعتها تقديم عونها المعتاد له، حيث أصبحت هى نفسها فى مأزق، بعد أن امتد الصراع إلى داخل أراضيها، وبدأت فعليا فى تقليل دعمها لوكلائها تجنبا لدخولها فى مواجهة مباشرة أو حرب مفتوحة مع الجانبين الإسرائيلى والأمريكى، تتنافى مع إستراتيجياتها الثابتة فى المنطقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية أواخر السبعينيات، وبدت مستعدة للمساومة على بعض نفوذها الاقليمى وكذلك فيما يتعلق ببرنامجها فى التسلح النووى، وبالتالى فالمراهنة على دورها فى هذا السياق بات مشكوكا فيه.

من هنا جاءت موافقة حزب الله على تقديم كثير من التنازلات فيما يخص وجوده المسلح جنوب لبنان، والتراجع إلى ما وراء الليطانى، والأهم الإقرار بما ورد فى اتفاق وقف أطلاق النار من حق إسرائيل فى اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات عسكرية ردا على أى خرق محتمل للاتفاق، وهو بند أيدته واشنطن بشدة، فضلا عن تعديل القرار الأممى 1701، ما يعنى عمليا تحويل هذه المنطقة إلى حزام أمنى إسرائيلى، وهو ما عبر عنه مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة دانى دانون بقوله «إن بلاده ستحتفظ بالقدرة على ضرب جنوب لبنان بموجب أى اتفاق»، وهذا حاصل بالفعل رغم إقرار الهدنة، ووفقا لـ»هآرتس» فإن الولايات المتحدة ستعطى لها الحق فى التصرف عسكريا حال أخل الحزب بأى شرط من شروطه، وربما هذا ما دعا وزير دفاعها الأسبق رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» عضو الكنيست أفيجور ليبرمان، فى مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرنوت، إلى وصفه بـ»اتفاق استسلام لحزب الله» باعتباره يمهد لنزع سلاحه وتفكيك بنيته التنظيمية

لكل هذا بدا بيان أمينه العام نعيم قاسم، الذى تأخر كثيرا، مثيرا للدهشة أو منفصلا عن الواقع، بإعلانه رسميا انتصار حزبه.

أما رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نيتانياهو، فقد حدد فى تصريحاته لشبكة «سى إن إن»، ثلاثة أسباب لقبول حكومته وقف اطلاق النار فى لبنان، أولها: اعطاء جيشه فرصة لتجديد مخزونه من السلاح الذى اعترف بحاجته الماسة إلى المزيد منه، وثانيها: هو فصل الجبهات للضغط على حماس، وثالثها: التفرغ للتركيز على التهديد الإيرانى، ثم كرر ذات المعانى التحذيرية السابقة، من حرية بلاده فى استئناف العمل العسكرى إذا ما انتهك الحزب الاتفاق، وسعى إلى التسلح وحفر الأنفاق، أو اطلاق الصواريخ وإعادة بناء بنيته التحتية.

فى جميع الأحوال تبقى العديد من القضايا، عما إذا كان هذا الاتفاق سلاما دائما أم هُدنة مؤقتة لإلتقاط الأنفاس وكسب الوقت بانتظار جولة أخرى، إذ يعتقد كل طرف أنه لم يحقق أهدافه كاملة، فإسرائيل تريد السيطرة التامة على الأرض، وحزب الله يبحث فقط عن الاستمرارية، والفيصل بالطبع هو فى ميزان القوة بينهما.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية