تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إيران فى سباق مع الزمن
مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، والتى تستضيفها روما وتقوم فيها مسقط، بدور الوسيط، تُثار العديد من التساؤلات حول احتمالات نجاحها، وإمكان وصولها إلى نتيجة حاسمة فيما يتعلق بالملف الإيرانى النووى، موضوع المحادثات، وما هى التنازلات التى يمكن توقعها من الطرفين، والأهم ماذا سيكون عليه موقف إسرائيل منها، وهى الطرف الثالث الضمنى فى تلك المفاوضات، والواقع أن مواقف هذه الأطراف تتباين فى مواجهة بعضها البعض، مثلما تختلف على المستوى الداخلى فى كل منها، بحيث يصعب التنبؤ بما ستحمله الأيام القادمة، خاصة فى ظل الظروف المعقدة التى يمر بها الشرق الأوسط.
قبل 12 عاما، قام فريق الرئيس الأسبق باراك أوباما بمفاوضات سرية مع الجانب الإيرانى استمرت لمدة عامين، وأنجزت ما يُعرف بالاتفاق النووى الشامل أو 5 زائد 1 فى 2015 والذى استمر لمدة ثلاث سنوات، حتى جاء الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب ليلغيه فى ولايته الأولى بعد انسحابه منه من جانب واحد فى 2018 ثم قرر خلفه جو بايدن عدم استئنافه وتجميد الوضع على ما هو عليه، وهو ما اعتبرته الجمهورية الإسلامية فرصة لها لتوسيع نفوذها الإقليمى واتباع سياسة الهيمنة على العديد من الدول العربية كالعراق وسوريا ولبنان واليمن فضلا عن حماس فى فلسطين، وقامت خلال هذه المدة الزمنية بتمويل وتدريب ميليشياتها المسلحة المنتشرة على مستوى الإقليم ككل.
اليوم يعود ترامب لمبدأ التفاوض، الذى وفق تصريحه، سيكون خياره الأول، وإن فشل فستكون الحرب،واللافت كما وضح من مفاوضات عُمان، أن القضايا الجوهرية هى نفسها التى طُرحت فى 2013، والتى تتلخص فى وقف إيران لبرنامجها النووى ذى الطابع العسكرى، وإنهاء دعمها للميليشيات، والامتناع عن تدخلها فى شئون الدول الأخرى، وإن اكتفى أوباما وقتها بالتركيز على البرنامج النووى، ويبدو أنه النهج نفسه الذى تتبعه إدارة ترامب فى الوقت الراهن، حيث عاد الرئيس الأمريكى وشدد على أن « طهران لن تمتلك سلاحا نوويا أبدا». إلا أن ذلك لم يمنع نشوب خلافات حادة داخل إدارته حول مسار المفاوضات وجدواها، وطبيعة التنازلات التى يمكن السماح بتقديمها للمضى قدما فيها، ففى حين أقر نائبه جى دى فانس وكذلك مبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بأن «الدبلوماسية» هى الوسيلة الأفضل، وتستوجب بعض التنازلات المتبادلة، وتصريح الأخير لفوكس نيوز أن الجولة الأولى كانت إيجابية، أبدى كبار المسئولين فيها، بمن فيهم وزير الخارجية مارك روبيو ومستشار الأمن القومى مايك والتز،تشككهم فى المفاوضات وتأييدهم لاتباع سياسة أكثر تشددا معها، مع استمرار العقوبات المفروضة عليها، وهو ما طالب به روبيو الدول الأوروبية أثناء زيارته الأخيرة لباريس. فى كل الأحوال فإن الخلاف الداخلى مستمر، وربما هذا ما دعا العديد من الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية، لمناقشة المسألة تحت عنوان عريض وهو «هل يكرر ترامب خطيئة أوباما؟»، ويعيد إنتاج اتفاق ضعيف قد يرفع العقوبات تدريجيا عن إيران، دون وجود ضمانات منها تمنعها من إحياء ودعم ميليشياتها، أو رفع نسبة تخصيبها اليورانيوم كما فعلت من قبل، حيث نص اتفاق 2015 على ألا تتعدى هذه النسبة 4% إلا أنها بلغت نحو 60% أى اقتربت من إنتاج سلاح نووى، والمفارقة أن مطالب المفاوض الأمريكى فى المحادثات الجارية تتمحور حول إرجاعها لتلك النسبة السابقة، وبالتالى قد يرى البعض أن التاريخ يعيد نفسه، لأن القضايا الجوهرية القديمة هى ذاتها المطروحة حاليا.
لكن يظل الخلاف الأهم، هو ما يدور بين واشنطن وتل أبيب سواء علنا أو فى الكواليس، فإسرائيل تعتبر أن مجرد الموافقة الأمريكية على عملية التفاوض، يعطى طهران ورقة مجانية لاستعادة نفوذها فى المنطقة وتعويض ما فقدته من قوة بعد حرب غزة وما أسفرت عنه بالتبعية من تدمير معظم شبكتها التنظيمية جراء الضربات القاصمة التى تلقاها وكلاؤها بدءا من حماس وحزب الله فى لبنان مرورا بالحوثيين فى اليمن وجماعاتها المسلحة السورية والعراقية، وحسب صحيفة إيديعوت أحرونت، فإن حكومة نيتانياهو قلقة من غموض الموقف الأمريكى فيما يتعلق بالتسليح والملف النووى الإيرانى، ولذا حددت أهدافها فى مطالب رئيسية غير قابلة للمناقشة، تقضى بتصفير تخصيبها لليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزى، والمفاعلات النووية، أى تفكيك البرنامج بأكمله ومعه المنظومة الصاروخية التى تشكل هاجسها الأول، كونها قادرة على الوصول لعمق أراضيها، ومن ثم تهديد أمنها القومى، الذى تعتبره تهديدا وجوديا.
والواقع، أن ما يُوسع من هوة هذا الخلاف، هو تيقن رئيس الوزراء نيتانياهو أن بلاده لديها فرصة تاريخية لن تتكرر،لتوجيه ضربة عسكرية لها بعد أن أضعفها على مدى الشهور الماضية، حتى وإن اضطر للقيام بها منفردا، مثلما ورد بتقرير إذاعة مونت كارلو.
إيران من جانبها، مازالت تسعى لاستخدام ملفها النووى كورقة مساومة تفاوضية، للمحافظة على دورها الإقليمى وأنشطتها العسكرية من خلال أذرعها الممتدة، ما يجعلها تراوغ فى تصريحاتها ومواقفها، فهى تعلم أنها فى وضع صعب، فبينما علق مرشدها على خامنئى على المفاوضات بأنها «كانت مرضية» اتخذ وزير الخارجية عباس عراقجى منحى أكثر تشددا وذكر فى مقال له بالواشنطن بوست «أن بلاده لن تتنازل عن حقها فى تخصيب اليورانيوم» فى رد غير مباشر على ما قاله ويتكوف بأن «طهران لا تحتاج لتخصيب يتجاوز 3%»، وهو نفس التوجه الذى عبر عنه البرلمان الإيرانى.
فى إطار هذه التجاذبات فإن الحل التفاوضى لا يُعد حاسما فى ذاته، لأنه لا يضع تصورا نهائيا لما ستئول إليه الأمور، كما أن سقفه الزمنى ليس مفتوحا إلى ما لا نهاية، فضلا عن أن المطلوب فى المفاوضات تحديدا هو وقف المشروع النووى الإيرانى، وليس مجرد المساومة على تخفيضه أو تجميده، مؤقتا وسيخضع حتما للمراقبة الدولية، وهو أمر ليس سهلا، وقد اشترط ترامب شهرين فقط للتوصل لاتفاق، وإلا سيتم قصفه وتدميره، وهى المهمة التى تنتظرها إسرائيل، أى ستصبح إيران فى سباق مع الزمن.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية