تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

إلى أين تمضى سوريا؟

أثبتت الأحداث الأخيرة بسوريا أن الاستقرار مازال بعيدا، وأن التوصل إلى الاتفاق الموسع لوقف إطلاق النار الذى بدأ بمحافظة السويداء حيث كان الاقتتال الأهلي، وامتد إلى عقد هدنة بين إسرائيل والنظام السورى الجديد، لن يكون نهاية المطاف ، بل يضع جميع الأطراف المنخرطة فى الأزمة أمام اختبار صعب.

هذا الاتفاق لم يكن ليحدث لولا الضغوط التى مارستها الولايات المتحدة وقادها وزير خارجيتها ماركو روبيو ومبعوثها الرئاسى الخاص توم باراك، بعد فترة من العزوف عن التدخل المباشر أعقبت سقوط نظام الأسد، وهو المعنى الذى عبر عنه الأخير فى مقابلة سابقة على الأحداث مع صحيفة نيويورك تايمز بقوله «إن التقدم نحو الديمقراطية والحكومات الرشيدة وبناء الأمم، لم يعد جزءا من المعايير التى تعتمدها واشنطن»، منتقدا المحاولات الأمريكية السابقة للتدخل فى الشئون الداخلية لدول الشرق الأوسط، والتى منيت أغلبها بالإخفاق،

إلا أنه عاد وأكد مؤخرا أنه تراجع عن هذا الموقف وبدل آراءه، إذ أقر بأن سوريا تمر بمرحلة حرجة وهى عند «مفترق طرق حاسم» استدعى التدخل، وقال فى منشور على حسابه على منصة «أكس» «ندعو السنة والدروز والبدو إلى إلقاء سلاحهم، والعمل مع الأقليات الأخرى على بناء هوية سورية جديدة وموحدة»،

وفى هذا السياق جاءت المحادثات الثلاثية فى باريس التى جمعته مع كل من وزير الخارجية السورى ونظيره الفرنسي، وأسفرت عن بيان يضع خارطة طريق للانتقال السياسى السلمي، وتلخصت أهم بنوده، فى الدعوة إلى الانخراط السريع فى الجهود الرامية إلى إنجاح المرحلة الانتقالية، بما يضمن وحدة البلاد وسيادتها على كامل أراضيها، والالتزام بالتعاون المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب ودعم مؤسسات الدولة السورية لمواجهة التحديات الأمنية، وتعزيز التماسك المجتمعى لا سيما فى الشمال الشرقى ذى الأغلبية الكردية، ومحافظة السويداء حيث الدروز، فضلا عن المطالبة بمحاسبة مرتكبى أعمال العنف، وانتهى البيان بتأكيد عدم تشكيل دول الجوار أى تهديد لاستقرار سوريا مقابل عدم تشكيل الأخيرة تهديدا لأمن جيرانها، فى إشارة واضحة إلى أهمية حفاظها على أمن حدودها مع إسرائيل بشكل خاص.

 

لا شك أن هذا البيان، يرسم ملامح مثالية لما يجب أن تكون عليه المرحلة المقبلة، إلا أنه لا يعكس حقيقة الأمور على أرض الواقع، التى هى أشد تعقيدا، فكل طرف من أطراف الصراع الداخلى يرتبط بقوة خارجية تدعمه وتسانده، مما يخلق حالة من التفتت ويغذى الانقسامات العميقة فى المجتمع.

لذا فإن الحوادث المأساوية التى شهدتها السويداء، لم تكن استثنائية، لكنها فتحت ملف الأقليات على مصراعيه، فقد كانت هناك مواجهات مع العلويين فى الساحل السوري، وتفجير كنيسة للمسيحيين فى دمشق، واشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية فى الرقة، وغيرها من الحوادث الطائفية التى تُنذر بتفكك مجتمعى وسياسى خطير.

محافظة السويداء هى المعقل الرئيسى للدروز الذين يبلغ عددهم نحو 700 ألف من 23 مليونا إجمالى عدد سكان سوريا، وهى أقلية دينية يُقدر تعدادها الكلى بنحو مليون نسمة تتمركز فى مناطق جبلية موزعة بين لبنان وسوريا والأردن وإسرائيل، وقد حافظت تلك الطائفة على درجة من الحكم الذاتى منذ مظاهرات 2011 ضد نظام بشار، ونجحت فى الدفاع عن منطقتها ودرء العديد من التهديدات بما فيها تهديد داعش، وغيرها من الجماعات الجهادية، إلا أنها تعرضت بشكل مفاجئ أخيرا، لهجوم عنيف من قبل عشائر سنية وبدو فى ظل نظام الرئيس الانتقالى أحمد الشرع، أسفر عن أكثر من 600 قتيل ونزوح ما يقرب من 80 ألفا، وهو الهجوم الذى خلف كارثة إنسانية غير مسبوقة، زاد من قسوتها تدخل قوات الأمن الحكومية التى وصفت بعدم الحياد، لكونها سنية فى النهاية، ولها أيضا انحيازاتها الطائفية.

من هنا، ومنذ الإطاحة بنظام بشار العام الماضي، ينادى الدروز ومعهم أقليات أخرى مثل الأكراد المدعومين أمريكيا فى الشرق السوري، والعلويين فى الغرب، بنظام فيدرالى لا مركزى يمنحهم درجة أعلى من الاستقلالية، الأمر الذى عارضته حكومة دمشق التى تعمل على ترسيخ حكم مركزى شمولى يُحكم قبضتها على البلاد، مما أدى بدوره إلى هذه الصدامات المحتدمة بين القوات الدرزية من ناحية وتلك الموالية للحكومة من ناحية أخري.

وقى خضم هذه المعارك، دخلت إسرائيل على خط الأزمة وشنت غارات مكثفة على العاصمة السورية، استهدفت البنية التحتية للجيش وقوات حكومية أخرى فى الجنوب، وطالبت بانسحابها فورا، وصرحت بأنها لن تسمح لها بالانتشار فى هذه المنطقة، سعيا لتأمين حدودها الشمالية، من خلال ترسيخ نفوذها، ومنع أى تهديد من الميليشيات السنية المناهضة لها، وهى المعايير التى اعتبرها رئيس وزرائها نيتانياهو خطوطا حمراء لا يمكن التنازل عنها،

وفى كل الأحوال تعمل الدولة العبرية على الحفاظ على دورها المهيمن هناك، ومن ثم أعلنت حمايتها للدروز وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لهم بقيمة 600 ألف دولار دفعة أولي، وأيدتها الإدارة الأمريكية فى ذلك، وضمنت اتفاق وقف إطلاق النار تلك الشروط التى تُفضى فى النهاية إلى جعل الإقليم الجنوبى منزوع السلاح، مثلما ألزمت الشرع حماية الأقليات ومحاكمة المتورطين فى الأحداث الأخيرة،

وبالتالى لم تكن مصادفة أن يقر الكونجرس الأمريكى تعديلات جديدة على «قانون قيصر» الذى يفرض عقوبات على سوريا، وتمديده لأربع سنوات، إضافة إلى أن كثيرا من الدول العربية بدأت مواقفها تتباين من مسألة إعادة الإعمار، وإرجائها إلى أن تتضح الصورة.

لا جدال فى أن استمرار الصراعات الأهلية ذات الطابع الإثنى والطائفى والفئوي، ستظل حائلا دون الاستقرار والتعايش السلمى الذى يجب أن يُبنى على الدستور والقانون ويحظى بحماية النظام الجديد، كما أنها تستدعى دوما التدخلات الخارجية، سواء من قبل القوى الدولية أو الإقليمية، استغلالا لهذا المناخ التصادمى وتوظيفا له.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية