تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

المرحلة الأخيرة من الحرب

فى خطوة غير مسبوقة, صوت الكنيست الإسرائيلى بأغلبية كاسحة, لمصلحة قرار يقضى بـ«الرفض القاطع لأى اعتراف أحادى بالدولة الفلسطينية, أو الخضوع للإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين», واللافت أن زعيم المعارضة يائير لابيد الذى طالما انتقد السياسات الأمنية لرئيس الحكومة نيتانياهو, وحمله مسئولية الفشل فى حماية الأمن القومى لبلاده, قد صوت لمصلحة القرار رغم أنه جاء باقتراح من الأخير.

 

لذلك احتفى نيتانياهو بنسبة التصويت التى اقتربت من الاجماع (99 صوتا من أصل 120صوتا) واعتبرها مثالا نادرا على وحدة الإرادة لدى الاسرائيليين, لم تحدث من قبل فى أى قضية أخرى, وأنها رسالة للمجتمع الدولى كى لا يمارس ضغوطا على دولته, وقال: «إن مثل هذا الاعتراف عقب هجوم 7 أكتوبر يعنى مكافأة ضخمة للارهاب (فى إشارة إلى حركة حماس) وسيمنع أى تسوية مستقبلية للسلام» والأهم هو ما اختتم به حديثه من أن مثل هذه التسوية المفترضة لن تكون قبل تحقيق انتصار كامل على الحركة التى تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل حسب تعبيره, وهى رؤية تتفق عليها جميع التيارات السياسية، ولا تقتصر فقط على اليمين المتطرف.

والواقع, أن هذا الإجراء الذى أقدم عليه المجلس التشريعى الاسرائيلى والمتماهى مع موقف الحكومة, يُعد خطوة استباقية, فى مواجهة الخطة الأمريكية للسلام التى أعدها البيت الأبيض مع الدول الإقليمية الفاعلة لوضع نهاية للصراع فى إطار حل الدولتين, وتشمل جدولا زمنيا لقيام دولة فلسطينية وضم قطاع غزة إلى السلطة فى رام الله شرط الالتزام بالإصلاحات الهيكلية التى طُلبت منها, مع فتح الباب لامكانية الاعتراف بها, وكان من المتوقع إعلانها فى الأسابيع المقبلة وفق ما سربته بعض وسائل الإعلام العالمية. والمعنى المستخلص, أن واشنطن انشغلت بشكل مبكر باليوم التالى للحرب وربما راهنت على سرعة حسمها, فى حين تُصر الدولة العبرية على المضى فيها حتى تكسبها وتحقق أهدافها كاملة, وإعادة سيطرتها الأمنية والعسكرية على غزة, وبالتالى فـ«اليوم التالى» لا يبدو قريبا بالنسبة لها, وهو مغاير لما تريده الولايات المتحدة حسب ما أوردته هآرتس, وكانت هذه أكبر نقطة خلاف مع إدارة بايدن, وإن بقى الهدف المشترك فى ضرورة إخراج حماس كلية من معادلة أى تسوية محتملة.

فى هذا السياق, تزايد الحديث عن تجهيزات تجرى على مستوى الجيش استعدادا للقيام بعملية عسكرية واسعة فى مدينة رفح جنوب القطاع, بدعوى ملاحقة مقاتلى حماس التى تقول الحكومة الاسرائيلية إنهم يتمركزون حاليا فيها, وهو ما أكده الوزير فى مجلس الحرب بينى جانتس بقوله «إن اجتياح رفح سيحدث حتما ما لم تتم عودة الرهائن المحتجزين لديها بحلول شهر رمضان». والواضح أن هذه هى المرحلة الرابعة من مراحل العمليات البرية التى سبق وأعلنتها الحكومة الاسرائيلية, دون تحديد ماهيتها, فقد بدأت من أقصى الشمال إلى مدينة غزة وبيت لاهيا وبيت حانون, ثم خان يونس فى الجنوب, والآن تقف على أعتاب النقطة الجنوبية الأخيرة فى رفح الفلسطينية الملاصقة للحدود مع مصر.

لا شك فى أن هذا السيناريو إن حدث, ستكون له تداعياته الخطيرة والمأساوية على مستوى الإقليم ككل, كما وصفته «الاندبندنت» البريطانية, حيث يتجمع فى هذه المدينة ما يقرب من المليون ونصف المليون فلسطينى أى نصف سكان القطاع الذين اضطروا للنزوح من الشمال للجنوب, ولم يعد لهم ملجأ آخر يذهبون إليه, ما يُعلى من احتمالات تهجيرهم قسريا تجنبا لكارثة إنسانية سيتعرضون لها حال تم هذا الاجتياح, وهو ما تحُذر منه الأمم المتحدة, وكذلك الدول العربية, لأنه قد ينطوى فى النهاية على تصفية القضية الفلسطينية إذ لن يُسمح لهم بالعودة, استنادا إلى الشواهد التاريخية التى حدثت على طول أمد النزاع, وربما يعطى لاسرائيل ذريعة لمطاردة عناصر حماس على الأراضى المصرية إذا ما تم اجتياز الحدود.

معظم الأطراف لا ترغب فى اتساع نطاق الحرب, لأنها ستُدخل المنطقة فى فوضى عارمة, لذا تسعى واشنطن, لتفادى تصعيد الصراع, وتغليب الحلول الدبلوماسية, رغم التزامها الكامل بدعم إسرائيل, وإقرارها بشرعية حربها وحقها فى الدفاع عن النفس.

والمفارقة أن حلفاء حماس وداعميها, أى إيران ووكلاءها, يقاسمون أمريكا نفس الهدف فى عدم توسيع الحرب, رغم اختلاف الأسباب والفروقات الضخمة فى القوة بين الجانبين ووقوفهما على طرفى نقيض من مسألة التسوية السلمية وكل القضايا الاقليمية, فقد أحجمت طهران عن الانخراط فى أى عمليات قتالية من خلال حرسها الثورى, على الرغم من دوره المحورى فى دعم وتدريب وتسليح حماس للقيام بهجومها الأخير, كما حافظ حزب الله على رد محسوب مع إسرائيل التى أجبرته على التراجع, وهو ما ينطبق على ميليشيات الحوثى, بعد الضربات الأمريكية والبريطانية التى وجهت لها. فى هذا الإطار تكثفت جهود الوساطة, التى ترعاها باريس, بعد التهديدات الاسرائيلية المتواصلة باقتحام رفح, للوصول إلى تفاهمات لاحتواء التصعيد الحالى ولو مرحليا, وقد عُرض مشروع للحل من ثلاث مراحل, تبدأ بهدنة مؤقتة وإطلاق سراح ثلث الرهائن الاسرائيليين مقابل تحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين, مع السماح بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع, ومرحلة ثانية يتم فيها إطلاق ما تبقى من رهائن وعدد آخر من الأسرى, ثم مرحلة أخيرة تختص بإدارة حكم غزة, والاقتراح أن تكون بقيادة منظمة التحرير وتسليمها بعد ذلك للسلطة الفلسطينية وخروج حركة حماس والفصائل الجهادية منها. هذه الجهود إن نجحت فستكون بداية النهاية للحرب, لأن الإخفاق سيعنى تصعيدا غير معلوم العواقب.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية