تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصراع على سوريا

سقوط نظام الأسد القمعى لا يعنى أن الصراع على سوريا وبداخلها قد انتهى، فمستقبل الحكم مازال غامضا، والتدخلات الخارجية مازالت أيضا قائمة وبصورة أشد، وباتت موزعة ما بين حلفاء بشار وخصومه، روسيا وإيران من ناحية وتركيا من ناحية أخرى، وكذلك الولايات المتحدة، وكل طرف يمتلك قواعده العسكرية وميليشياته الخاصة على الأراضى السورية، ناهيك عن التهديدات الإسرائيلية المستمرة، ولا يُتوقع أن يتخلى أى منهم عن تدخله وتأثيره على مجريات الأحداث، فكيف سيكون شكل حكم سوريا وعلاقاته الاقليمية بعد أن سقطت المعادلات القديمة؟

ترك بشار بلدا شبه مفكك، تتنازعه فئات متعددة التوجهات الطائفية والعرقية والدينية، حتى إن المدن التى سقطت تباعا لم تتم على أيدى فصيل واحد أو فصائل موحدة، بل قام بكل عملية منها فصيل مختلف عن غيره وينتمى لمناطق نفوذ تابعة لقوى خارجية متباينة، فـ«هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع الذى قدم من محافظة إدلب، هى التى أسقطت حلب، و«غرفة عمليات الجنوب» المتفرعة عن الجيش الحر، والتى يقودها أحمد العودة الذى جاء من محافظة درعا، هى التى دخلت دمشق، ومن تولى تأمين الشريط الحدودى مع العراق كانت «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية يقيادة مظلوم عبدى، المدعومة أمريكيا. لا شك فى أن هذه الحقائق تعقد الوضع الداخلى، ورغم ذلك فالأرجح أن هيئة تحرير الشام ستصبح الحاكم الفعلى لسوريا، باعتبارها القوة الأكبر التى اضطلعت بالمهمة الرئيسية فى اسقاط النظام، مع احتفاظ بعض الفصائل الأخرى بنفوذها التقليدى فى مناطقها الجغرافية الجهوية. والمعضلة هنا، أن جذورها تعود لتنظيم القاعدة فى العراق وقائدها أحمد الشرع المعروف بـ «أبو محمد الجولانى» وهو من أسس «جبهة النصرة» كفرع سورى للتنظيم، قبل أن يشكل الهيئة التى صُنفت كحركة إرهابية، لذا سارع بالادلاء بتصريحات تُنفى عن حركته هذه الصفة، ومنها ما صرح به لسى إن إن بقوله «انظروا إلى افعالى وليس أقوالى» إلا أن ذلك لا يكفى للحكم على طبيعة مشروعه السياسى.

فى هذا السياق برزت تركيا كلاعب رئيسى فى سوريا.

أهداف أنقرة ليست خافية، وتصرح ببعضها علنا، فهى دائما ما كانت تبحث عن موطئ قدم لردع ما تسميه المنظمات الانفصالية بالشمال السورى، وفى مقدمتها«قوات سوريا الديمقراطية»، ولا جدال فى أن دعمها للنظام الجديد فى سوريا يزيد من أوراق الضغط لديها، خاصة أن الأكراد يتمتعون بحماية أمريكية.

أما الهدف الأكبر فيتعلق بلعبة النفوذ الاقليمى خاصة مع صعود إيران وقيامها بدور محورى فى سوريا، يجعلها المنافس الفعلى لها فى المنطقة، لذا تناقضت مواقفهما وتحالفاتهما منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب الأهلية السورية قبل نحو 14 عاما، فساندت طهران نظام بشار للحفاظ على بقائه، وفى المقابل دعمت أنقرة قوى المعارضة، كما تتقاطع وتتضارب المصالح الاقتصادية، وهو أمر لم يكن وليد اليوم، وإنما بدا منذ فترة ليست بالقليلة، فى التنازع للهيمنة على مشاريع تصدير الطاقة، من نفط وغاز إلى أوروبا عبر سوريا.

والواقع أن تركيا أصبحت هى الطرف الفائز، بعد ضعف الدور الإيرانى جراء تراجع محور «الممانعة» الذى تقوده الجمهورية الإسلامية، واستسلام أهم وكلائها متمثلا فى حزب الله عقب اتفاقيه وقف إطلاق النار مع الجانب الإسرائيلى،إضافة إلى حرصها على تجنب المواجهة المباشرة مع الدولة العبرية بعد أن تم استهداف أراضيها للمرة الأولى فى الآونة الأخيرة، كما قد تكون مستعدة فى الوقت الراهن لعقد صفقة تجنبها مثل هذه المواجهة، وتفتح لها المجال لإعادة التفاوض مع واشنطن حول برنامجها النووى، وهى المفاوضات التى انسحب منها الرئيس المتنخب دونالد ترامب من جانب واحد فى أثناء ولايته السابقة، ما يُحجم تحركها، ولأن سوريا مهمة للاستراتيجية الإيرانية فإن فقدانها يعنى تلقائيا تغيير ميزان القوى الإقليمى، حتى وإن احتفظت بميليشياتها هناك، فتأثيرها لن يعود كما كان. لكن هذا لا يعنى أن الطريق أمام تركيا مفروش بالورد، وهو ما أظهره لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن مؤخرا بأنقرة، حيث حرص الأخير على أن يبعث برسالة مفادها، ضرورة تمكين قوات سوريا الديمقراطية حليفة بلاده، من الاستمرار فى تنفيذ مهمتها ضد تنظيم «داعش» بالشمال الشرقى السورى، بعد أن أعلن قائدها تعرض قواته لهجمات من الفصائل المدعومة من عدوته تركيا لإجبارها على التراجع. وهذا ما دعا الرئيس الأمريكى جو بايدن، للتصريح بأن «الفرصة التاريخية الحالية قد يتم إهدارها، وأن إسقاط طاغية ليس نهاية المطاف، فقد يخلفه آخر جديد ينهض مكانه، وأنه يتعين الآن على جميع جماعات المعارضة التى تسعى لأن يكون لها دور فى حكم سوريا، أن تثبت التزامها بحقوق جميع السوريين، وسيادة القانون، وحماية الأقليات الدينية والعرقية».

باختصار، زوال حكم الأسد هو مكسب، إلا أن كثيرا من الأمور مازالت غير واضحة، فالفصائل التى تحاربت فى الماضى لا تزال تتصارع فيما بينها، وتتناقض بشدة فى توجهاتها السياسية والأيديولوجية، وكذلك تحالفاتها الخارجية، وليس هناك إجماع على المسار الذى ستتخذه فى ظل كل هذه التجاذبات، ما يؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون أصعب، وأن الوصول إلى صيغة توفيقية مازال بعيدا.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية