تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الخلاف الأمريكى ــ الإسرائيلى
أثارت الانتقادات الأخيرة للرئيس الأمريكى بايدن التى وجهها لحكومة نيتانياهو بشأن ما يحدث فى غزة, الكثير من الجدل حول مدى وطبيعة الخلاف بين الطرفين, وما إذا كان سيغير من مسار الحرب أو يوقفها, كون هذه التصريحات تُعد هى الأولى من نوعها والأكثر أهمية, منذ أحداث 7 أكتوبر. ففى مؤتمر صحفى بواشنطن قال بايدن «إن إسرائيل قد تخسر مساندة المجتمع الدولى» الذى بدأ فعليا فى التآكل, وحذرها من انقلاب الرأى العام العالمى ضدها, وكرر نداءه لها بعدم تكرار الأخطاء التى ارتكبتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سيتمبر 2001 كما أعرب عن قلقه بشأن تحفظ نيتانياهو من التعامل بجدية مع النصائح التى قدمتها له إدارته بخصوص سير العمليات العسكرية ومشاريعها السياسية لمرحلة ما بعد الحرب, وأشار إلى أنه لا يمكن القبول بالرفض المطلق لإقامة دولة فلسطينية مستقبلا فى سياق حل الدولتين, لأن ذلك سيعقد الأمور وسيكون الجزء الأصعب بعدما ينتهى القتال, كما انتقد تحديدا الائتلاف الحكومى الحاكم الذى يضم أحزابا يمينية متطرفة وذكر بالاسم وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير لمواقفه المتشددة , معتبرا أن مثل هذه الحكومة التى وصفها بـ«الأشد محافظة» فى تاريخ إسرائيل, يتعين تغييرها لأنها ستعرقل أى سبل لحل الصراع, كما أضاف وزير الخارجية بلينكن لتلك التصريحات, أنه يجب على إسرائيل أن تعطى الأولوية لحماية المدنيين معترفا بوجود « فجوة» بين ما تطالب به بلاده وماتحقق بهذا الخصوص على الأرض, مثلما أشار مسئولون آخرون فى الإدارة إلى أن ضغوطا تمارس على الدولة العبرية, بضرورة فتح معبر «كرم أبو سالم» أمام إدخال مزيد من المساعدات الانسانية لغزة لعدم كفاية المساعدات التى تدخل من معبر رفح, وفق ما أوردته الواشنطن بوست, وهو ما حدث أخيرا.
واللافت للانتباه أن حديث بايدن, جاء بعد وقت قصير من مقطع مصور نشره نيتانياهو على حسابه الشخصى بمنصة «إكس» أكد فيه استمرارحكومته فى الحرب على القطاع, وأنها تتخذ مايلزم لمساعدة المدنيين, بنشرها لخرائط مفصلة لإخلائهم من المناطق التى تشهد كثافة فى العمليات القتالية, مع إصراره على أن حماس تستخدمهم كدروع بشرية, وفى نفس الوقت واصل تهديده للسلطة الفلسطينية, وتوعدها برد قاس على الضفة الغربية, إذا ما أقدمت على مهاجمة قواته, وهو ما عزز من وجود خلاف غير مسبوق بين الحليفين الأمريكى والإسرائيلى.
والسؤال الجوهرى هنا, هو هل هذا الخلاف سيؤدى إلى تغيير جذرى على مستوى علاقتهما الثنائية، أو يُفضى إلى تحول كبير فى سياسات كل منهما الخاصة بإقليم الشرق الأوسط عموما والقضية الفلسطينية خصوصا؟.
رغم حدة التصريحات الأمريكية والتعنت الإسرائيلى, إلا أنه ليس من السهل استنتاج عمق تأثيرها على علاقتهما الوثيقة التى طالما وحدت سياستهما فى معظم القضايا الإقليمية, وإن ظلت هناك دائما مساحة للتباعد أحيانا تخضع لحسابات المصالح الخاصة بكل طرف, إذ مهما كانت درجة التحالف فلا يمكن أن تصل لحالة التطابق الكامل, ولكنها فى الغالب تبقى مقتصرة على التفاصيل دون المساس بجوهرها الراسخ, يدلل على ذلك موافقة إدارة بايدن على طلب إسرائيل مدها بما يقرب من 50 ألف طلقة ذخيرة لدباباتها العاملة فى غزة, وسعيها لتفعيل بند فى قانون تصدير الأسلحة يتعلق بحالات الطوارئ, يتيح لها تجاوز مراجعة وتصديق الكونجرس على الصفقة, وقد بدأ بالفعل توريد الجزء الأول منها, كذلك استخدامها (الفيتو) ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار, تحت ذريعة حق اسرائيل فى الدفاع عن نفسها, وعدم الأخذ بتوصياتها لتضمين القرار إدانة حركة حماس, بحسب ما قاله ممثلها فى الأمم المتحدة, فـوقف إطلاق النار الفورى وغير المشروط , مثلما صرح, ليس فقط قرارا غير واقعى, وإنما خطير أيضا, لأنه سيؤدى إلى استمرار وجود حماس, بل سيمنحها الفرصة ويُمكنها من إعادة تجميع صفوفها, وهو بالضبط ما ردده السفير الإسرائيلى لدى المنظمة الدولية. وما يمكن الخلوص إليه, هو عدم وجود شقاق أو خلاف بين واشنطن وتل أبيب حول المسار الراهن للحرب ولا حول الهدف المعلن منها وهو تدمير القدرات العسكرية والسياسية لحماس, فغياب حماس التام عن المشهد هو أمر مشترك ومتفق عليه من الجانبين, وقد حدث منذ اليوم الأول, مع دراية أمريكا بوجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة, أى لم يكن ذلك عائقا للتوافق حول الهدف الرئيسى الذى لم يتغير ولا يبدو أنه سيتغير, هو ما شدد عليه وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن خلال زيارته إسرائيل يوم 18 من الشهر الحالى, وقبله بيومين وفى ذات المكان, أكده جيك سوليفان مستشار الأمن القومى, والذى أقر باستمرار الحرب لحين إتمام تلك المهمة.
أما نقطة الخلاف فتتعلق بمرحلة ما بعد الحرب, أى من سيحكم قطاع غزة, فإسرائيل تسعى للسيطرة التامة عليه، ولا تقبل بإرجاعه إلى السلطة الفلسطينية وتوحيده مع الضفة ضمن حل شامل للنزاع, بينما ترى الولايات المتحدة ضرورة إحياء حل الدولتين, فى إطار منح السلطة فى رام الله دورا محوريا لحكم القطاع كجزء من الدولة الفلسطينية, تساندها قوى دولية وإقليمية, ومن ثم عبرت عن خشيتها من وقوف التيارات الإسرائيلية المتطرفة حجر عثرة أمام هذا التوجه مستقبلا.
وإلى جانب ذلك, هناك حسابات خاصة تتعلق بأمريكا ذاتها, منها القلق من توسيع نطاق الحرب خاصة من قبل وكلاء إيران, بعد استهداف الحوثى للملاحة الدولية فى باب المندب، والهجمات الصاروخية التى يطلقها حزب الله من جنوب لبنان, فضلا عن ضغوط الرأى العام للأسباب الإنسانية, ما اضطرها لاتخاذ مسافة تبعدها نسبيا عن إسرائيل, ولكن فى النهاية يبقى الخلاف خلافا محكوما ومؤقتا.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية